IMLebanon

تلازم التسوية السورية: داعش مقابل الأسد!

قرار إقليمي وسعودي جازم بمنع انكسار المعارضة.. والكرملين يفقد «ورقة الأجواء» مع الدخول الفرنسي

تلازم التسوية السورية: داعش مقابل الأسد!

التدخل الروسي يلجم إيران ومجزرة الدبابات بصواريخ «التاو» الأميركية رسالة قوية لموسكو على طاولة التفاوض

ثمّة اقتناع راسخ لدى المتابعين لمجريات الأحداث الإقليمية أن أي كلام عن بداية النهاية لـ «تنظيم الدولة الإسلامية» يحمل في طياته بداية النهاية لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، ذلك أن الملفين مرتبطان بعضهما ببعض، أو بشكل أدق أن أحدهما هو نتيجة للآخر. على أن السؤال المفصلي يكمن في ما إذا كانت  بداية النهاية قد شقت طريقها مع نقل «تنظيم الدولة الإسلامية» عملياته إلى الخارج وتبنيه إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء وتفجيري برج البراجنة وهجمات باريس،  أم أننا نشهد فصلاً جديداً من فصول «أسطورة داعش» وتالياً استمراراً متلازماً لـ «اسطورة الأسد» ومفاعيلها في استمرار الأزمة السورية?

وإذا كانت محادثات «فيينا 2» التي انعقدت على وقع تصاعد «إرهاب داعش» خارج سوريا والعراق خرجت باتفاق على خارطة سياسية  لحل الأزمة السورية مدعوماً بتوحّد قادة دول العشرين في قمة أنطاليا التركية على مكافحة الإرهاب، فإن المناخات المرافقة لما يمكن وصفه بـ «التقدّم» لا تتسم بكثير من التفاؤل بإمكان نجاح عملية الانتقال السياسي بجدولها الزمني، على الرغم من الحركة الدبلوماسية المكثفة أممياً ودولياً وإقليمياً سواء على مستوى وقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة ومباحثات موسكو  المرتقبة مع أركان النظام وعقد مؤتمر الرياض لتوحيد المعارضة السورية منتصف كانون الأول ومؤتمر الأردن لتحديد المنظمات الإرهابية في سوريا، ذلك أن هذا المسار بمجمله يستمر مساراً مفخخاً في مختلف مفاصله، وتعزز التباينات حول مصير الأسد ودوره في مستقبل سوريا بأن أوان الحل لم يحن بعد.

في استشراف للمشهد العام على ضوء ضربات «داعش» خارج حدوده الجغرافية، تختلف القراءات. لكن البارز فيها تقاطعها وإن جاءت من مواقع متقابلة، على أن الساحة السورية ستشهد مزيداً من النزف في المرحلة المقبلة. فالتدخل الروسي، بغض النظر عن الظروف التي أملته، شكّل عامل لحجم للطموحات الإيرانية في سوريا، وباتت الإمرة لموسكو سواء في السياسة أو الميدان بديلاً عن النظام والإيرانيين وحلفائهما من الميليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية والأفغانية. لكن التطورات العسكرية بعد أسابيع من التدخل الجوي بمظلة مكافحة الإرهاب والهادف فعلياً  إلى حماية النظام لم تحقق إنجازات ميدانية فعلية رغم الغارات العنيفة التي استهدفت في غالبيتها الفصائل المعارضة المعتدلة التي تقاتل الأسد. وجاءت «مجزرة الدبابات» في الشمال السوري بصواريخ «التاو» الأميركية لتشكل الرسالة الأنجع لروسيا وملامح المستنقع الذي ينتظرها في حرب استنزاف إضافية لحرب الاستنزاف الأولى في أوكرانيا – حديقتها الخلفية، والتي لا تزال تعاني من تداعياتها وخصوصاً الاقتصادية، وإنْ كان منظرو السياسة الروسية يرون أن  تدخل فلاديمير بوتين في سوريا يأتي في إطار معادلة سوريا – أوكرانيا من مفهوم المصالح الروسية، وأن ثمن الحل  المستقبلي في سوريا سيكون  جزءاً من المقايضة في تلك المعادلة، من دون التقليل من أهمية المصالح الروسية الاستراتيجية في سوريا وما تؤمنه قاعدتها العسكرية البحرية على الشاطئ السوري من موطئ قدم في المتوسط.

على أن التحوّل في مسار الأحداث بعد هجمات «داعش» يكمن في أن روسيا مع «عاصفة السوخوي» – وفق تسمية حلفائها لتدخلها الجوي العسكري – بدت للوهلة الأولى المسيطر الرئيسي على السماء السورية واللاعب الأول والأبرز، لكن هذا الواقع تغيّر اليوم بعدما فرضت هجمات باريس دخولاً فرنسياً وبريطانياً وأميركياً من الباب العريض على السماء السورية. وهو دخول يحمل عنواناً لا لبس فيه، ولا سيما فرنسياً، بأنه حرب على «داعش» حيث لا منطقة رمادية تحيط أهداف المقاتلات الفرنسية، ما سيؤول، حسب المتابعين، إلى كبح موسكو في استهدافها مواقع المعارضة السورية المعتدلة، انطلاقاً من الشراكة الفرنسية – الروسية المُرتقبة في الحرب على التنظيم، وقدرة التحالف الدولي بقيادة أميركا وإمكاناته الأكبر في السيطرة على مجرى الأمور، بما يجعل موسكو في وضع «المُطوّق والمُقيّد» المغاير لما كانت عليه في المرحلة الأولى من إطلاق اليد في السماء السورية وماهية ضرباتها الجوية التي لم تستهدف عملياً «داعش»، قبل أن تبدأ المقاتلات الروسية عمليات ما أسمته «الصيد الحر» للصهاريج المحملة بالنفط التابعة للتنظيم، وهي في طريقها من سوريا إلى العراق لتكريره، وتقصف مواقع «داعش» في رد انتقامي لإسقاط الطائرة الروسية بعد إقرار موسكو بوجود عمل إرهابي.

هذه التطورات لا تحجب «السيناريوهات» التي يجري الحديث عنها في الميدان السوري، ذلك أن المفاوضات الجارية حول عمليات وقف لإطلاق النار تتركز على جبهات الجنوب والعاصمة، وهو وقف لإطلاق النار قد يكون طويل الأمد، ما يتيح للنظام نقل أعداد كبيرة من عناصره إلى الشمال السوري، بالتزامن مع حملات التجنيد الواسعة التي يستميت عليها حالياً في صفوف الشبان ما دون الثانية والأربعين في مناطق سيطرته لدفعهم إلى الجبهات هناك، حيث التحضير يجري لمعركة حلب الكبرى والتي يطمح النظام وحلفاؤه إلى أن تكون المعركة الفاصلة، ليس في مناطق سيطرة «داعش» بل في مناطق سيطرة  المعارضة السورية المعتدلة الملامسة للحدود التركية والمدعومة من تركيا والسعودية وقطر بشكل أساسي ومِن ورائهم الولايات المتحدة والغرب، وهي معركة ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات في ظل رغبة موسكو وحلفائها في تسجيل انتصار يعزز موقعهم التفاوضي في مقابل نزعة أميركية على إغراق «الدب الروسي» في مزيد من الوحول السورية، وقرار إقليمي جازم بمنع انكسار المعارضة مهما تتطلب الأمر، وهو ما تُجاهر به المملكة العربية السعودية بشكل واضح، والذي أظهرت محادثات «فيينا 2» الموقع المتقدّم لها على طاولة المفاوضات في شأن الأزمة السورية.