العلاقة بين وزيري خارجية أميركا وروسيا جون كيري وسيرغي لافروف كانت دائماً “طيبة” رغم الخلافات الكثيرة بين حكومتيهما، كما أن الانسجام الشخصي وليس السياسي طبعاً لم يغب عنها يوماً. هذا ما يقوله متابع أميركي جدّي من واشنطن لعلاقة الدولتين كما لتطور الأوضاع في الشرق الأوسط. لكنه يضيف أن المشكلة الأساسية عند لافروف هي “جنون العظمة” الذي يسيطر على رئيسه فلاديمير بوتين. ورغم ذلك فإن روسيا كما أميركا تحدِّد سياساتهما ومواقفهما المصالح الحيوية والاستراتيجية وليس أي شيء آخر. من هذه المصالح رفض وقوع النفط الخليجي تحت سيطرة دولة واحدة. ومنها أيضاً، وهذا ما تعرفه ومن زمان معظم القوى والجهات الدولية والإقليمية، أن الحدود الحالية في منطقة الخليج (أي حدود الدول الموجودة فيها) يجب أن لا تتغيَّر. وهذا ما تعترف به وتحترمه، إلا أن رئيساً لإحدى الدول المهمة فيها هو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لم يستوعب هذه الحقيقة البديهية فدفع الثمن. انطلاقاً من ذلك يؤكد المتابع نفسه أن كيري ولافروف لديهما هدف مشترك هو عدم قبول تحوُّل الجمهورية الإسلامية الإيرانية قوة إقليمية عظمى. علماً أنهما يعترفان بها دولة كبرى في المنطقة ويقبلانها كذلك. أما تركيا فقد كانت علاقتها دائماً غير سوية مع روسيا رغم استمرار التشاور بينهما والعلاقات التجارية والديبلوماسية وغيرها. والروس لم يعتبروا يوماً تركيا تهديداً وجودياً لهم. لكنهم بدأوا يشعرون، منذ حكم “حزب العدالة والتنمية” الإسلامي أو المحافظ تركيا قبل سنوات كثيرة، بشيء من التهديد جرّاء نزعة الهيمنة على المنطقة التي تسيطر على زعيم الحزب ورئيس الحكومة التركية سابقاً ورئيس الجمهورية فيها الآن رجب طيب أردوغان. إلا أن موسكو لا تبدو قلقة من ذلك. إذ إن نزعات الهيمنة هذه يمكن احتواؤها ووضع حدّ لها بواسطة “حلف شمال الأطلسي” وهي عضو فيه، كما بواسطة أميركا ودول غرب أوروبا التي تشعر ورغم الاختلافات مع روسيا بضرورة التعاون معها لتسوية عدد من الأزمات الحالية في الشرق الأوسط. طبعاً لا ينكر المتابع الأميركي نفسه أن بلاده تستفيد من المواقف التركية النازعة إلى الهيمنة على المحيط، تماماً مثلما تفعل روسيا باستفادتها من نظام سوريا وإيران الإسلامية. لكن ذلك لا يمكن أن يتخطى الحدود المقبولة والمعقولة إذا تحلَّت موسكو وواشنطن بالإرادة الطيبة والنية الحسنة.
انطلاقاً من ذلك ورغم كل الخلافات الحقيقية التي ينقلها الإعلام بين روسيا وأميركا وخصوصاً حول سوريا، فإنهما متفقتان على أن الحلّ الوحيد للأزمة – الحرب في هذه الدولة هو سياسي، وأن التوصل إليه يتم عبر مفاوضات بين المعارضة على تنوُّع أطرافها والنظام بقيادة الأسد. ومتفقتان أيضاً على مرحلة انتقالية يستمر فيها الأسد في السلطة وعند انتهائها يتنحّى مع مجموعة تابعة مباشرة له، وتنشأ سلطة جديدة ونظام جديد سواء بالانتخاب إذا كان متيسراً، وهو لا يبدو كذلك بسبب العجز المادي عن إجرائه في صورة عادلة وشفّافة وقانونية، أو بالاتفاق. ومتفقتان ثالثاً على أن سقوط النظام لا يعني سقوط العلويين أو تعريضهم للإبادة أو للاضطهاد، وعلى أن النظام الجديد يُستحسَن أن يكون فيديرالياً أو لامركزياً حماية للأقليات وتمكيناً للغالبية من الحكم.
طبعاً يبقى ذلك كله نظرياً لأن المفاوضات الجارية في شأنه بين موسكو وواشنطن من جهة، وواشنطن وإيران من جهة أخرى (4 أو 5 اجتماعات في عُمان) أظهرت اختلافات جوهرية في تفسيرات إيران للمرحلة الانتقالية. فهي أصرَّت، وقد تكون جارتها روسيا، على أن لا يكون بقاء الأسد رئيساً انتقالياً شرفياً وبروتوكولياً، وعلى احتفاظه بحقيبتي الدفاع والداخلية وسيطرته على الأجهزة الأمنية – الاستخبارية. وقوبل إصرارها برفض أميركي لأن ذلك يعني الإفساح في المجال أمام استمرار نظام الأسد ولكن “منقّحاً”، وخصوصاً إذا أُجريت انتخابات نيابية غير مكتملة الشروط القانونية وأبرزها استحالة مشاركة غالبية الشعب السوري التي صارت مهجَّرة فيها. إذ لن يفوز فيها سوى جماعة الأسد. إلا أن التعقيدات المذكورة كلها وأخرى كثيرة غيرها لا تعكس في رأي المتابع الأميركي نفسه استحالة عملية توصل واشنطن وموسكو إلى “اتفاق جدّي سوري” قابل التنفيذ عندما تشعران فعلاً أن الخطر عليهما مصالح وأمناً قد صار “داهماً”.
هل وصل المسؤولون في العاصمتين المذكورتين إلى الشعور المشار إليه؟ وما هي العوامل التي أدّت إليه؟ وما هي خريطة العمل التي قد يتفقون عليها لدرء الأخطار الجدِّية بل المصيرية؟