هل دقّت ساعة الحصاد السياسي بعد الزرع العسكري في حرب سوريا؟ ما هو، في الامتحان العملي وسط المبالغات النظرية، مدى التحوّل الجيوسياسي الذي يحدثه زخم النصر المعلن في معركة حلب؟ وفي أي ميزان ايجابي أو سلبي يوضع قول وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ان التدخل العسكري لبلاده منع انهيار الدولة السورية، وكسر سلسلة الثورات الملونة التي انتشرت في الشرق الأوسط وأفريقيا؟
موسكو المشغولة بحسابات أرباحها في سوريا والمنطقة وعلى المستوى الدولي بفعل دورها العسكري والديبلوماسي والسياسي توحي ان مرحلة ما بعد حلب تفرض وقفة مع الذات والصديق والخصم، وكتابة فصل جديد. فهي تستعجل التوظيف السياسي لمعركة حلب من قبل ان تبرد حرارة النصر لدى الرابحين وان يستوعب الخاسرون دروس الهزيمة ويتجاوزوها. وهي، برغم الحاجة في النهاية الى دور أميركا، تهمل انتظار الشريك الأميركي الجديد بعد تجربة أوباما وكيري، وتسارع الى العمل مع تركيا وايران على أجندة طموحة: وقف نار شامل إلاّ مع داعش والنصرة، ومفاوضات في استانة عاصمة كازاخستان بين النظام ومعارضين مختارين لترتيب تسوية سياسية.
لكن من الصعب ضمان النتائج، وان كانت البداية أن تضمن روسيا وايران التزام النظام وحلفائه وقف النار وأن تضمن تركيا التزام المعارضة المسلحة. فالصراع لم يعد بين طرفين فقط في سوريا. والقوى الاقليمية والدولية الراعية لتنظيمات متنوعة من المسلحين ليست محصورة في الثلاثي الروسي – التركي – الايراني. واستمرار الحرب على داعش والنصرة مرشح بطبائع الأمور للانتشار خارج المناطق التي يسيطر عليها التنظيمان الارهابيان.
والتوصل الى تسوية سياسية ليس أقل صعوبة. فالخلاف على انتقال السلطة يكبر مع الوقت وتبدّل موازين القوى. والتراجع في مرجعيات التفاوض يزداد. وما لم تستطع المعارضة أخذه في جولات جنيف من النظام عندما كان مهددا بالسقوط وكانت هي في موقع قوي، يستحيل أن تأخذه وهي ضعيفة والنظام في عزّ الشعور بالنصر والقوة. والخلاف بين المتقاتلين على الأرض يعكس الخلاف بين القوى والدول التي تدعمهم بالمال والسلاح. فكيف اذا كانت الحرب ساحة لصدام مشاريع في اللعبة الجيوسياسية؟ وكيف اذا كان المقاتلون الى جانب النظام والى جانب المعارضة من جنسيات متعددة، وكانت هناك جيوش دول، والسيطرة على الأرض في مناطق عدة ليست في أيدي سوريين؟
المشهد معقّد: الأرض مقسّمة بين القوى بقوة الأمر الواقع. والروس ليسوا متحمّسين لاستمرار الحرب الى ما لا نهاية. وقف النار الشامل صعب. والتسوية السياسية حاليا أصعب. فما هو الممكن؟ كثيرون يتصورون انه إما مرحلة طويلة من حرب استنزاف، وإما تثبيت ستاتيكو تقاسم الخارطة حتى اشعار آخر.