سيغضب هذا الكلام كثيرين ممن يمنّون النفس بأن الانتخابات البلدية والاختيارية ستشكل الفرصة المثلى لتغيير جذري يبدأ من ” السلطات المحلية ” المنتخبة ويتصاعد نحو الانتخابات النيابية المقبلة.
ليس في المشهد الطالع عشية الاستحقاق البلدي والاختياري ما يشجع على نفخ الآمال والطموحات بأكثر مما تحتمل واقعية الأحوال اللبنانية بصورتها المأزومة. ذلك ان التسييس المفرط لهذا الاستحقاق ليس أسوأ ما يواجهه ولو كان من العوامل المحسومة التي ستتحايل القوى السياسية قاطبة على تحويلها عروض قوى وعضلات لتأثيرها الساحق على المجتمع الأهلي. فاذا كان الاستحقاق البلدي أدرج بانه سيشكل متنفساً ديموقراطياً يعيد ترميم الصورة القاتمة لما أحدثته السياسة من آثام وخراب ودمار عميم في هيكل الدولة والنظام ترانا أمام شكوك كبيرة في قدرة القوى الأهلية على التفلت من سطوة السياسة وافتقار المجتمعات الأهلية نفسها الى القدرة الحقيقية على تجاوز الأنماط التي أقامتها القوى السياسية بربط النظام العائلي والأهلي ربطا محكما بها. يتعين في هذا السياق النظر الى واقع المجالس البلدية المشارفة نهاية ولايتها راهنا بأنه مرآة الشراكة بين العوامل السياسية والأهلية التي طبعت الأعوام الستة المنصرمة. هذه المجالس لم تكن في معظمها، لئلا نعمم، أفضل حالا بكثير من واقع “المؤسسة” السياسية. عشرات المجالس حلت، وعشرات أخرى شهدت منازعات شلت فاعليتها تماما كمؤسسات الدولة. والأخطر الذي ينبغي إبرازه بلا قفازات هو أن الذهاب الى انتخابات بلدية وإختيارية لا تحمل مؤشرات التغيير المفروض لن تكون الا إسعافا ضمنيا للقوى السياسية. ولم يكن في اختبار ازمة النفايات التي كانت البلديات المعنية الاولى بها ما يشجع على توقع “نفس انتفاضي” حقيقي على سطوة الفساد السياسي، بل برز الكثير من معالم فساد أهلي ايضا او استسلام كامل ما خلا بعض الومضات التي لم تقدم أو تؤخر شيئا في تداعيات الازمة. ثمة من سيرى ظلما استباقيا في الحكم على مناخ انتخابي واعد في توقع نتائج متواضعة مهما آلت اليه الانتخابات المقبلة، وربما يكون في ذلك جوانب من الصحة. ولكن على مشارف أسابيع قليلة من بداية الاستحقاق لا ترانا نعيش مناخا انتفاضيا حقيقيا أو ثورة إجتماعية تتوثب لنفض السطوة على القرار الأهلي الذي يعاني ما يعانيه من أزمات وتهميش ودمار كامل. تطغى ملامح تركيبات الشراكة بين التحالفات السياسية والعوامل العائلية التقليدية على مطالع الحملات الانتخابية في معالمها الكبيرة اكثر بكثير من ثقافة تغيير جذري يضع المدماك الأول لدك مفاهيم بائدة اودت بالصورة التغييرية لكل انتخابات. وحتى إشعار آخر سيبقى شعار اجراء الانتخابات المحلية كبدل عن ضائع النظام السياسي المشلول غير كاف ابدا إن لم نفاجأ بما يتجاوزه في ما تبقى من مهلة وفرصة.