IMLebanon

التأمين بخطر والدولة غائبة

 

 

لم يحظَ موضوع التأمين بالقدر نفسه من الإهتمام الذي حظي به القطاع المصرفي، مع العلم ان خسائر قطاع التأمين لا تقل وطأة عن القطاع المصرفي. فمنذ بدء الأزمة المالية، تواجه شركات التأمين تحديات كبرى بسبب إرتفاع سعر صرف الدولار. وقد تفاقمت التحديات مع ظهور جائحة فيروس كورونا، ووقوع الإنفجار في مرفأ بيروت. فهل ستدفع هذه الأزمات للتوجّه نحو إعادة هيكلة هذا القطاع؟

لم تبدأ عملية إعادة الإعمار في بيروت على الرغم من مرور 6 اشهر على الإنفجار. وما يزيد الخلاف بين المتضررين وشركات التأمين أن هذه الأخيرة لم تدفع لهم إلا٘ جزءاً بسيطاً من قيمة الأضرار، فهي تواجه صعوبة في سداد قيمة الأضرار الناتجة عن الإنفجار من أموالها الخاصة وتنتظر قرار شركات إعادة التأمين المرهون بنتائج التحقيق لمعرفة سبب الإنفجار. فبحسب رئيس جمعية شركات التأمين إيلي طربيه: “إن تغيير مجرى التحقيق يعط٘ل سرعة معرفة سبب الإنفجار بالرغم من مطالبتنا المعنيين وكلّ من حكومة تصريف الأعمال وفخامة رئيس الجمهورية بإصدار تقرير رسمي حول سبب وطبيعة الإنفجار”. مضيفاً “إذا تبين أن انفجار المرفأ سببه خطر حربي أو عمل إرهابي، فإن نحو 95% من الأضرار الناتجة عنه لا تغطيها شركات التأمين، فمعظم الزبائن ليس لديهم تأمين ضد مخاطر الحرب والإرهاب. وبالرغم من ذلك، فإن عدداً كبيراً من الشركات أخذت على عاتقها تغطية أضرار الإنفجار من مالها الخاص وحساباتها الموجودة في المصارف من دون انتظار قرار الشركات الخارجية”.

 

الخلافات وتعديل الأسعار

 

لقد تبيّن أن الشركات التي تقبض الأقساط المدولرة بالليرة وبالسعر الرسمي 1515، تستعمل السعر الرسمي ذاته عند التعويض على الممتلكات والسيارات المضمونة بعقود صادرة بالدولار. ففي حال الخسارة الكاملة total loss، تعرض شركة التأمين التعويض بقيمة 40 ألف دولار مثلاً على أساس سعر الدولار 1515 ليرة أي 60 مليون ليرة، بينما أصبح ثمن السيارة في السوق 150 مليون ليرة على الأقل. وهذا ما خلق خلافات بين الطرفين وخاصة في مجال تأمين المخازن والأبنية.

 

أما الآن، فمعظم الشركات لجأت الى تخيير الزبائن بين أمرين: إما دفع الأقساط المدولرة بالليرة وبالسعر الرسمي 1515 بحيث يتم التعويض عن الخسائر بالليرة اللبنانية، أو دفع أقساط البوالص بالدولار النقدي بحيث يتم التعويض بالطريقة نفسها، او الدفع بموجب شيك مصرفي على أساس 3900 ليرة للدولار الواحد. ويزيد طربيه: “على شركات التأمين التي ترغب بإدخال اي بند جديد على بوالصها تبليغ لجنة الرقابة، وفي حال عدم معارضة اللجنة يتم عرضها على الزبائن”. ويؤكد: “أن هذا هو الحل الوحيد للتخفيف من وطأة الخسائر وبالتالي ضمان إستمرارية القطاع وتأمين الحماية الكاملة للزبائن”.

 

ولأن القانون لا يخوّل شركات التأمين تغييرعملة العقد، فهي مُلزمة بتقاضي ثمن البوالص بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي 1515، إرتفعت أسعار البوالص معتمدة سعر الصرف نفسه لتتمكن من تغطية أعبائها.

 

أما بالنسبة للتأمين الطبي فيقول طربيه: “هناك بعض المستشفيات الخاصة بدأت تطالب باستيفاء فواتير العلاج على اساس سعر صرف 3900 او بالدولار الأميركي، او حتى 50% بالدولار الأميركي و50% بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف 3900 ليرة لبنانية، ونحن مُلزمون بتلبية مطالبهم، الأمر الذي سينعكس على المضمون. وأضاف: “إلتزمت شركات التأمين بإدخال تغطية علاج كورونا على البوالص الإستشفائية ونحن الوحيدون القادرون على تغطية نفقات العلاج لحدٕ أقصى قيمته 55 مليون ليرة للمريض الواحد، أما بالنسبة للهيئات الضامنة الأخرى فهي عاجزة عن تغطية هذه المبالغ”.

 

إلا أنّ وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة، وبدلاً من العمل لإيجاد طريقة بالتعاون مع وزير الصحة لكبح المستشفيات الخاصة، قام بإعطاء الضوء الأخضر للشركات بالتسعيرة الجديدة للقضاء على ما تبقّى من أموال الناس على الرغم من تدهور القدرة الشرائية وتراجع قيمة الرواتب والأجور، اذ أن قسماً كبيراً من المضمونين لن يجددوا بوالص التأمين هذه السنة. وكنتيجة لذلك، ستتفاقم الضغوط على وزارة الصحة المفلسة أصلاً، والتي في ذمتها للمستشفيات الخاصة ملايين كثيرة.

 

إعادة هيكلة القطاع

 

وبحسب مصادر متابعة، بدأت بعض الشركات تتقدّم للحصول على موافقات مسبقة من معيدي التأمين للمتضرّرين، إلا أنّه تبيّن أنّ عدداً من شركات التأمين يعمد إلى إستلام المبالغ المحوّلة من معيدي التأمين في حسابات خارج لبنان، تعود غالباً لوسطاء إعادة التأمين الذين يتقاسمون هذه المبالغ مع مديري ورؤساء شركات التأمين، فيما تقوم الشركات بدفع التعويضات بالدولار المحلي أو بالليرة اللبنانية. ما يحصل في قطاع التأمين يظهر ضعف البنية التحتية القانونية، هذه القوانين التي ترتبط بالدستور والإتفاقيات الدولية وحقوق الإنسان. فقطاع التأمين أصبح اليوم بأمسّ الحاجة لإعادة هيكلة وإعادة بناء ما تهدم. تبدأ عملية الإعادة بتقليص عدد الشركات الموجودة خصوصاً أن تكاثر عدد الشركات الذي شهده القطاع في السنوات الأخيرة على حساب رساميل الشركات وملاءتها لم يكن منطقياً مقارنة بعدد الشركات الموجود في دول الخليج أو دول شمال أفريقيا.

 

وبدوره يشدد طربيه على ضرورة إعادة الهيكلة لإنقاذ القطاع مؤكداً أن: “المطلوب توفير حوافز لشركات التأمين مثل الإعفاء من الضريبة او توفير قروض ميسّرة للتشجيع على فكرة الدمج”. معتبراً ان “الشركات الخارجية لن تخاطر وتشتري أسهماً في شركات التأمين نظراً للظروف الصعبة التي يمر بها البلد”.

 

لا يزال دور الدولة مغيّباً حتّى اللحظة على الرغم من المشاكل والتحديات التي يمر بها قطاع التأمين. وبحسب طربيه: “من الصعب تطبيق عملية الهيكلة في الوقت الحالي بحيث لا يمكن لحكومة تصريف الأعمال اتخاذ مثل هذا القرار”.