تشجيع عمليات الدمج يُقلّص عددها من 50 إلى 10 ويجعلها أفعل في خدمة المواطن والإقتصاد
مع ارتفاع الدولار، وفي ظل غياب أي قرار رسمي من قبل وزارة الإقتصاد، التي لم تسمح حتى اليوم لشركات التأمين إعتماد سعر آخر للدولار غير السعر الرسمي، نرى الأخيرة “تفتح على حسابها”، حيث لجأت كل واحدة منها إلى وضع أسس جديدة خاصة بها للتعاطي مع زبائنها، وهذا ما يظهر في اختلاف العروض وتفاوت الأسعار بين شركة وأخرى. فماذا يجري داخل قطاع التأمين في لبنان؟
تعاني شركات التأمين من ضياع وإرباك واضحين. فانهيار الليرة، وشح الدولار، وانتشار وباء كورونا تركت أثراً واضحاً على عملها وإستثماراتها، وحدّت من قدرتها على اتخاذ قرار موحد بكيفية التعاطي مع زبائنها.
القوانين الجديدة
“كما تُدين تُدان” هذا هو المبدأ الجديد الذي انطلقت منه شركات التأمين “بعدما عجزت عن إيجاد أي حل مناسب للتعامل مع هذه الأزمة من جهة، ولإرضاء الزبائن من جهة أخرى”، يقول المستشار في شركات التأمين سليمان حبيقة، و”هذا يعني وجود ثلاثة أسعار لبوالص حوادث السير، الحريق، السرقات والتأمين على الخزنات بعدما زاد الطلب عليها نتيجة فقدان الشعب ثقته بالمصارف. فإما يتم دفع الأقساط المدولَرة بالليرة وبالسعر الرسمي على 1515 بحيث يتم التعويض عن الخسائر بالليرة اللبنانية، أو تدفع أقساط البوالص بالدولار النقدي بحيث يتم التعويض بالطريقة نفسها. أو يتم الدفع بموجب شيك مصرفي على أساس 3900 ليرة للدولار الواحد”. أمّا بالنسبة إلى التأمين الطبي، فهو يتفاوت بين شركة وأخرى وبين مستشفى وآخر، فـ”معظم المستشفيات الخاصة والجامعية بدأت تطالب بإستيفاء فواتير العلاج على أساس سعر صرف 3900 ليرة للدولار الواحد، أو 50% بالليرة اللبنانية و50% شيك دولار على أساس سعر صرف 3900 ليرة لبنانية”، يقول حبيقة. و”نحن مُلزمون على تلبية مطالبهم، الأمر الذي سينعكس على المضمون. فعلى سبيل المثال: هناك تجمع مستشفيات المتن، الذي يضم مستشفيات سرحال، هارون، بحن٘س، أبو جودة، الحايك والأرز، اتخذ قراراً بأن يكون الدفع على اساس سعر صرف الـ3000 ليرة للدولار الواحد، وبما أنه لا يوجد أي قرار رسمي برفع التعرفة، ووزير الإقتصاد يرفض هذا الأمر ويعجز عن إيجاد المخرج، تلجأ شركات التأمين الى رفع السعر وليس التعرفة، وذلك لتغطية فرق العملة. فإذا كان سعر البوليصة 1000 دولار، يدفع المؤمن 3 ملايين ليرة أي 2000 دولار على السعر الرسمي بدلاً من مليون و500 ألف.
التمعن بقراءة العقود والبوالص
وفي هذا الإطار يشدد نقيب وسطاء التأمين في لبنان سيريل عازار على “ضرورة توضيح وتفسير كل من شركات التأمين ووسطاء التأمين للزبائن عن طريقة التعويض على الممتلكات والسيارات المضمونة بعقود صادرة بالدولار. ففي حال الخسارة الكاملة للسيارة total loss، مثلاً، تعرِض شركة التأمين التعويض بقيمة 50 ألف دولار على أساس سعر الدولار الرسمي أي 75 مليون ليرة. وهو مبلغ كان كافياً لشراء سيارة جديدة، أو في حال وقوع حريق في المنزل، كانت هذه القيمة تكفي لإعادة المنزل مثلما كان. أمّا اليوم فإن 50 ألف دولار على أساس السعر الرسمي لا تكفي لشراء سيارة، ولا إلى إعادة بناء المنزل مثلما كان. لذلك على المؤمن مراجعة العقود بمساعدة وسطاء وشركات التأمين، وعليه تقدير ممتلكاته وزيادة قيمة التأمين عليها في العقود لكي لا يقع في الفخ نتيجة تلاعب الدولار. ونرى اليوم أن بعض الشركات خلقت مصطلحات جديدة لم تكن موجودة من قبل ومنها الـ “Fresh Policies” وهذا يعني أن الشركات التي تقبض الأقساط المدولرة بالدولار الأميركي، تستعمل السعر ذاته عند التعويض على الممتلكات والسيارات المضمونة بعقود صادرة بالدولار، ليحافظ بهذه الطريقة المؤمن على قيمة ممتلكاته”.
حماية حق المؤمن …
تنحصر صلاحيات لجنة الرقابة على شركات الضمان بتلقي الشكاوى من المؤمنين، ومراقبة الشركات وتسطير محاضر بحق الوسطاء المخالفين الذين يقومون بنشاط وساطة الضمان من دون ترخيص مسبق وفرض غرامات بحق الجهات المخالفة. وبحسب حبيقة “لا يحق لهذه الهيئة التدخل في التسعيرة التي تفرضها الشركات أو الوسطاء على البوالص. فهذه عملية عرض وطلب، فإما يوافق الزبون على التسعيرة او يرفضها. ولا يستثنى من هذه القاعدة إلا البوالص الإلزامية التي تدفع بالليرة اللبنانية على اساس السعر الرسمي”. ويرى حبيقة أن “وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة يمشي عكس التيار، فهو لم يصب الهدف الذي يتعلق بطريقة سير عمل شركات التأمين، إضافة الى غياب المساعدة والتعاون من قبله لإيجاد حلول لتخطي الأزمة الراهنة”. مؤكداً أن “الحل ليس بيده بل هو موجود لدى حاكم مصرف لبنان”.
من جهته يعتبر عازار أنه “على الرغم من أن منصب مدير لجنة الرقابة على التأمين شاغر منذ أكثر من سنة، نرى أن هذه اللجنة ليست غائبة عن السمع حتى اليوم. وهي تقوم بواجباتها كاملة تجاه الشكاوى التي تردها والتي سجلت زيادة ملحوظة. كما أن الوزير نعمة رفع الى وزير الصحة حمد حسن كتاباً في آذار الماضي يتضمّن أسماء شركات التأمين وتفاصيل تغطية المؤمنين ضد فيروس كورونا لحدود 35 ألف دولار، فالتزمت أكثرية الشركات بتطبيق هذا التعميم وتخلف بعضها عنه. لذا أرسلنا بدورنا كتاباً للوزير نعمة نطالب فيه ملاحقة كل الشركات المخالفة ومحاسبتها”.
عن إعادة الهيكلة
لقد أصبح واضحاً أنه من الضروري “إعادة هيكلة وبناء ما تهدم، ووضع حد للمضاربات والفوضى القائمة داخل قطاع التأمين”، من وجهة نظر عازار. و”الإنطلاق يجب أن يكون من تقليص عدد الشركات الموجودة البالغ 50 شركة الى حدود 10 شركات. ومن الممكن أن تتم هذه العملية عن طريق دمج الشركات. وقد تم على سبيل المثال إقتراح مشروع دمج إثنتين من أكبر الشركات في لبنان وهما: “أسوريكس” Assurex و”ليا” LIA، وقد وافقت لجنة الرقابة على هذا الإقتراح منذ أسبوعين. وبهذه الطريقة يمكن عودة نشاط سوق التأمين وتقوية بنيته من جديد”.
فعالية قطاع التأمين تبقى مرهونة بالأزمة الإقتصادية التي يمر بها لبنان التي تتفاقم يوماً بعد يوم، نتيجة غياب الدولة وفشل السلطات بإتخاذ أي قرار يخرجنا من المأزق الذي جعل لبنان على شفير الهاوية.