مع انتهاء الانتخابات البلدية والاختيارية بنجاح مميز، أصبح إجراء الانتخابات النيابية في موعدها حتمياً، وأصبح ايضاً من المرجح إجراؤها وفق قانون 1960 المعدل في اتفاق الدوحة، حين اتفق ايضا، بعد انتخاب رئيس الجمهورية، ان يبدأ العمل على قانون جديد للانتخاب ينصف كل المكونات اللبنانية من دون تمييز.
المعلوم ان هذا القانون في صيغته وآليته لا يعمل به سوى في لبنان وسوريا. اعني بالصيغة «نظام اللائحة» الذي كان تغييره مطلباً أساسياً للمعارضة في اجتماعات الطائف عام 1989.
اعتمدت صيغة هذا النظام في عهد الانتداب الفرنسي، وكان يشترط ان ينال الفائز بالنيابة أصوات نصف عدد المقترعين في الدورة الاولى، وإلا في دورة ثانية للخاسرين الاولين بعد ذلك بأسبوعين. لكنّ آلية النظام الحالي المتبعة منذ انتخابات 1953، تسمح للمرشح في حالات معينة ان يفوز بالنيابة بعشرات الأصوات كما حصل في انتخابات 1992.
ومع الترحيب بإجراء الانتخابات في اي وقت وبأي نظام انتخابي، من المستحسن ان لا نتفاءل كثيراً بحل المشاكل العالقة في لبنان، او الاعتقاد ان مجلساً نيابياً جديداً يستطيع ايجاد الحل المناسب لازمة لبنان المعقدة، رغم ان قانوناً جديداً للانتخاب منصفاً وعادلاً ويسمح بتمثيل حقيقي لكل المكونات اللبنانية، ربما يساهم في حل الكثير من هذه المشاكلِ.
تأجيل وزير الخارجية الفرنسية زيارته الى لبنان مؤشر على ان طبخة انتخاب رئيس للجمهورية لم تستوِ بعد، والطبخة المستوية تعني حل القضايا العالقة التي تسمح بانتخاب الرئيس.
المشكلات العالقة كانت تختصر بثلاث: انتخاب رئيس للجمهورية، اختيار رئيس للحكومة وقانون انتخاب نيابي جديد. لكن، اضيفت خلال هذا العام مشكلات جديدة للاستحقاقات اللبنانية ترتبط بعلاقة المملكة العربية السعودية، ومعها دول الخليج وإن بحماسة أقل، بـ «حزب الله» ونشاطاته الاقليمية. وضعت المملكة الحزب على لائحة المنظمات الإرهابية، وأقنعت معظم الدول المنتمية الى جامعة الدول العربية والمؤتمر الاسلامي بذلك، وهي تسعى الى عزله سياسيا واقتصاديا في لبنان وخارجه.
أضاف هذا الحدث مشكلتين أخريين الى الأزمة اللبنانية: تشكيل الوزارة والبيان الوزاري لان البعض يتكهن بمعارضة السعودية، وإن همساً، لمشاركة «حزب الله» في الحكومة والاستمرار بالاعتراف الرسمي اللبناني بالحزب كمقاومة وطنية، كما جرت العادة في كل البيانات الوزارية منذ انتهاء الحرب اللبنانية عام 1990.
وجاء كلام وزير الداخلية الأسبوع الماضي عن كيفية اختيار «تيار المستقبل» مرشحه للرئاسة ليؤكد ان من الأسباب الرئيسية للازمة اللبنانية الارتباط الوثيق لبعض المكونات اللبنانية بالخارج الإقليمي والدولي. نفي السفارات المعنية كلام الوزير لا يزيل ايديولوجية معظم السياسيين اللبنانيين بالاعتماد على الخارج لكسر أخصامهم في الداخل. من هنا الحاجة الماسة الى اتفاق مسبق على سلة متكاملة وشاملة تعالج كل المشكلات اللبنانية العالقة، وإلا فان الازمة ستستمر، خاصة اذا انتخب رئيس للجمهورية على خطى اتفاق الدوحة.
ومع الأسف فإن أهل السياسة في لبنان يعملون على معادلة كسر الخصم ومحاولة إلغائه.
وبينما قد تصح هذه المعادلة في الانتخابات، لا تصلح في حل مشكلات مجتمع متعدد دينيا ومذهبيا واثنيا وحتى اجتماعيا. ان المجتمع اللبناني يتطلب حل المشكلات بطريقة ترضي كل المكونات اللبنانية – اي على مبدأ winwin بحيث يشعر كل مكون انه رابح في المعادلة الجديدة، وإلا استمرت الأزمة وتفاقمت.
بكلام آخر وفي ما يختص بالمكون المسيحي، لن يطمئن هذا المكون اللبناني ما دام قانون الانتخاب غير عادل، وغير منصف، ومجحفاً في حقه، ورئيس الجمهورية يُختار من خارج بيئته السياسية كما جرت العادة منذ بدء تنفيذ اتفاق الطائف. الاستقرار يتطلب ان تطمئن القوانين والاعراف كل المكونات اللبنانية، وان يشعر كل منها بالانتماء الكامل والشامل الى الوطن اللبناني.
لذلك، من المؤسف ان تتلهى لجنة الحوار الوطني في اجتماعاتها ببحث القضايا العالقة بـ «المفرق» بدلاً من ان تبحث فيها كسلة متكاملة بـ «الجملة». ان اتفاق الاستقلال وانبثاق الميثاق الوطني، وحوادث 1958، وحرب 1975، ومشاكل أيار 2008، انتهت كلها بالاتفاق على سلة متكاملة. حتى لو عدنا في تاريخنا الى ما يزيد عن قرن ونصف القرن وبدء عهد المتصرفية، نرى ان مشاكل الجبل اللبناني انتهت بالاتفاق على سلة متكاملة تعالج القضايا العالقة.
الفارق بين اليوم والامس، ان اسطنبول والقاهرة والطائف والدوحة غير متوافرة لاستضافتنا، وَيَا فرحتنا.
ما في الا عين التينة.