IMLebanon

الخطة الإستخباراتية – العسكريّة لردع الإنتحاريّين

يُعتبر سلاح الإنتحاريّين من الأخطر عالمياً، حيث أنّ الأجهزة الأمنية تُلاحق شخصاً مفخّخاً مصرّاً على الموت ليوقع أكبر عدد من الضحايا المدنيّين أو العسكريّين. وبالتالي فقد شكّلت عمليات القاع فشلاً ذريعاً في تاريخ العمليات الانتحارية، ما أنقذ البلدة من مجزرة دموية.

بعدما التقطت القاع أنفاسها، إنصرفت قيادة الجيش والمخابرات الى درس تلك العملية، وبحسب الإستنتاجات العسكرية العلمية فإنّ حجم الخسائر في صفوف الانتحاريين الذي فاق عدد الضحايا، أثبت أنّ العملية فشلت في تحقيق أهدافها.

وبالعودة الى أرشيف العمليات الإنتحارية في لبنان والعراق وسوريا والعالم، وبغضّ النظر عن الأهداف المُحتملة سواء كانت القاع أو غيرها من المناطق اللبنانية، فإنّ عملية القاع شكّلت أكبر عملية انتحارية من حيث عدد الانتحاريين، وأكبر مثال على ذلك، أنّ انتحاريَّين فقط نَفّذا تفجير مطار اسطنبول، وأوقعا ما يزيد عن خمسين ضحية، بينما أوقع 8 إنتحاريين في القاع 5 شهداء.

لكنّ السؤال الاساسي ماذا بعد هذه الحادثة؟

تُخفي قيادة الجيش في جعبتها عشرات الخطط الإستخباراتية والعسكرية، فالعقل الأمني لا يعمل وفق معطى واحد، بل يضع أمامه كل الإحتمالات، وفي مقابل كلّ احتمال هناك خطة تحرّك.

وبما أنّ منطقة البقاع الشمالي الممتدة من عرسال الى رأس بعلبك وصولاً الى القاع تعيش حرباً مع «داعش» و«جبهة النصرة»، فإنّ الجيش كان يعمل على الاحتمالات الآتية:

أولاً: إذا تكرّرت أحداث 2 آب 2014 في عرسال وهاجم المسلحون نقاط الجيش وحاولوا السيطرة على البلدات.

ثانياً: في حال خرَج الإرهابيون من مخيمات النازحين السوريين، لينتشروا في البقاع الشمالي.

ثالثاً: إذا تمكّن الإرهابيون من إيجاد ثغرة في عرسال ورأس بعلبك والقاع، ليتسلّلوا منها بأعداد كبيرة الى البلدات لزرع الخوف والرعب وضرب الجيش.

رابعاً: إذا هاجم الإرهابيّون هذه النقاط الثلاث في الوقت نفسه لتشتيت قوى الجيش والدخول في حرب استنزاف.

أمّا النقطة الخامسة والأهم، فهي ما حصل في القاع، أي لجوء الإرهابيّين الى استخدام السلاح الانتحاري.

وفي هذا السياق، يروي مصدر عسكري رفيع لـ»الجمهورية» تفاصيل ما حصل أمنياً، فيوضح أنّه «لحظة وقوع التفجيرات، شهدت مراكز الجيش استنفاراً عاماً لأنّه كما بَدا واضحاً لم تكن عملية الصباح معزولة، وقد طلب الجيش من أهالي القاع مساعدته عند الاشتباه بأيّ جسم غريب ولبوا النداء سريعاً، وفي هذه الأثناء كانت قيادة الجيش في اليرزة وقيادة منطقة البقاع تُنسّقان الخطط تحسّباً لأيّ طارئ، وزار قائد الجيش العماد جان قهوجي القاع ليؤكد وقوفه الى جانب الاهالي».

ويؤكّد المصدر أنّ «سلاح مواجهة الانتحاريين إضافة الى اليقظة هو الاستخبارات»، لافتاً إلى أنّ «أحد أسباب فشل عمليات الليل في القاع هو وصول معلومات إستخباراتية عن وجود 4 إنتحاريين جدد، فأعطيت التعليمات الفورية الى مراكز الجيش والأهالي للإستعداد، وعند وصول أحد الانتحاريين الى مكتب المخابرات، تنبّه له العسكري وأحبَط العملية، كما أنّ إنتحارياً آخر حاول مهاجمة ملالة للجيش فتنبّه له العسكري، وبالتالي لم يستطع 4 انتحاريين ليلاً إيقاع ضحايا».

وبالنسبة الى خطة المواجهة المتّبعة، يؤكد المصدر العسكري أنّ الاتّكال الأساس هو على الاستخبارات، والخطة تحصل وفق الآتي:

أولاً: تنتشر استخبارات الجيش بشكل غير مسبوق في مناطق البقاع الشمالي وأكثر ممّا يمكن أن يتخيّله الخبراء العسكريون، حيث تزرع الشبكات في كل الأماكن.

ثانياً: إنتشار وحضور استخباراتي في مخيمات النازحين السوريين، بحيث يرصد كل تحرّك أو عمل مشبوه، وهذه النقطة أساسية في العمل الإستخباراتي خصوصاً أنّ تلك المخيمات تقع ضمن الأراضي اللبنانية، وبذلك تُحمى المخيمات لكي لا تكون مأوى للإرهابيّين.

ثالثاً: التنسيق الاستخباراتي بين الأجهزة كافة، والدليل الإجتماع الأمني الذي عُقد في اليرزة بعد التفجير وضمّ كل الأجهزة.

ويلفت المصدر الى تبادل معلومات مع أجهزة استخباراتية غربية وخارجية من أجل ملاحقة الشبكات الارهابية من المنبع، وهذا الامر ساعد كثيراً، خصوصاً أنّ المخابرات الأجنبية تملك معلومات عن شبكات خارجية تعمل بالإتصال مع الداخل من أجل التحرّك عندما تحين اللحظة، وهذا التعاون يأتي ضمن سياق التعاون الإستخباراتي مع دول العالم، ونظراً الى وجود لبنان ضمن التحالف الدولي لمحاربة «داعش».

وبالإضافة الى الشقّ الإستخباراتي، هناك الشقّ العسكري من خلال نشر آلاف الجنود في الجبال والتلال وعلى مداخل البلدات، وتغطية المنطقة بنار المدفعية في حال حصول أي هجوم مُباغت، وتوحيد الجبهات والمراكز، كما أنّ الجيش ينصب الأفخاخ غير الظاهرة في الوديان والجبال والتي تساعد في إيقاع الإرهابيّين سواء كانوا مقاتلين او إنتحاريين.

وتعليقاً على احتمال أن يكون الإنتحاريون تسلّلوا من جرود عرسال، تؤكد التقارير العسكرية أنّ التحقيقات ما زالت مستمرّة، وأنّ 95 في المئة من عمليات التسلل عبر الحدود في رأس بعلبك وعرسال أُحبطت، وبذلك تكون الجبهة ممسوكة بشكل تام، ويبقى هناك احتمال الـ5 في المئة، وهذا يحصل مع كل جيوش العالم.

وبالتالي، فإنّ التدابير الإستخباراتية والعسكرية والشعبية كفيلة بردعهم. وقد ساهم كل ذلك، إضافة الى تبادل المعلومات مع الأجهزة الخارجية، في تخفيف العمليات الإنتحارية والقضاء على العدد الأكبر من الشبكات الإرهابية.

لا تُنكر قيادة الجيش أنّ لبنان في حرب مفتوحة مع الإرهاب مثل كل دول العالم، لكنّ ذلك لا يعني أنّ الوضع خرَج عن السيطرة، وهي تستبعد طلب الإحتياط راهناً، فيما التنسيق مع التحالف الدولي يقتصر حتى الساعة على الشقّ الإستخباراتي، أمّا في حال حصول أيّ هجوم كبير على القرى الحدودية، وأصبح لبنان بحاجة الى مثل هكذا تدخّل، فعندها لكلّ حادث حديث، وكل الاحتمالات واردة.