اعرب دبلوماسي اوروبي عن «قلقه» امام عدد من اصدقائه في بيروت من تعاظم «فوبيا» حزب الله لدى اقران له تابعين لدول عربية واقليمية وآخرين غربيين، كان التقى بهم مؤخرا، ولفت الى ان ثمة قناعة راسخة لدى هؤلاء بان الطريق الى اضعاف محور ايران في المنطقة يمر بالحاق الهزيمة بالحزب، وبرأي هؤلاء الى ان تنضج سيناريوهات حصار الحزب واستهدافه الممنهج، ثمة ثلاثة امور لا ترغب بحصولها دول اقليمية وغربية في هذه المرحلة، اولا ان يحقق الحزب انجازات جدية في الميدان ضد التنظيمات الارهابية، وثانيا، ان يعيد توجيه «بوصلة» الصراع باتجاه اسرائيل، وثالثا، ان يتمتع «بالاستقرار» في الداخل اللبناني، هذه «اللاءات الثلاث» كفيلة برأيها في تحضير الظروف المؤاتية لاخراج الحزب من «الخدمة» الفعلية بعد ان ثبت انه الاكثر قدرة على التاثير في الاحداث…
هذه المعلومات، تفسر برأي اوساط بارزة في 8آذار، سياق الحملة التصاعدية على الحزب، من تهويل بعقوبات اقتصادية، وكذلك تفسرعملية الاشغال المستمرة في الداخل عبر المحاولة المستمرة «لهز» الاستقرار السياسي ومحاولة ضرب علاقته مع الحلفاء..ويمكن ايضا ان تشرح اسباب «هرولة» رئيس الحكومة سعد الحريري الى الجنوب لتطويق مفاعيل جولة حزب الله الاعلامية..كما تفسر ايضا غياب القرار السياسي لحسم معركة الجرود وتطهيررها من المجموعات المسلحة، على الرغم من جهوزية الجيش العسكرية والامنية، واكتمال استعدادات المقاومة…
وفي سياق التدليل على جدية «الهجمة» على الحزب، سلطت اوساط دبلوماسية في بيروت الضوء على اصرار وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على طرح ملف حزب الله في موسكو، بعد محاولة «فاشلة» سبقه اليها رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو، لكن الخيبة كانت هذه المرة اكبر، لان نظيره الروسي سيرغي لافروف لم يكتف بما قاله في «الغرف المغلقة»، فجدد في العلن موقفه الرافض لاتهام الحزب بالارهاب، وكان حاسما عندما وضع شرعية وجود قوات بلاده العسكرية في سوريا بمرتبة واحدة مع وجود مقاتلي الحزب، وهذا له دلالة دبلوماسية تتجاوز الموقف «العابر»…
اهمية التوقف عند هذه المحطة الدبلوماسية الهامة جدا، سببها براي تلك الاوساط اعادة التأكيد على ان ملف حزب الله وضع على «نار حامية» لدى الطرف الاخر، وذلك نتيجة دراسة معمقة اجرتها استخبارات غربية تقاطعت مع خلاصات امنية تركية وخليجية، خلصت الى نتيجة مفادها ان «عقدة» الوصل المركزية الاكثر تأثيرا في الاحداث على مختلف الجبهات المشتعلة في المنطقة هي حزب الله الذي نجح في التعامل مع مختلف ساحات القتال بفعالية تتجاوز التقديرات المتعارف عليها في حالات مماثلة لدى اجهزة الاستخبارات..
وفي هذا السياق، تلفت تلك المعطيات الى «ليونة» وسرعة في التأقلم مع الجغرافيا والديموغرافيا، وهما عاملان حاسمان في اي تدخل خارجي لمساعدة الاصدقاء او الحلفاء من قبل اي جيش في العالم، لكن الحزب نجح في تجاوزها دون معوقات جدية تذكر، فخلق بيئة «حاضنة» خارج اطار حاضنته الطبيعية، خصوصا لدى تدخله العسكري والامني في سوريا، ووفقا للتقارير الميدانية الموثقة، فان غرفة العمليات المركزية في سوريا انشات بعد فترة من دخول مقاتلي الحزب الى هناك، حيث جرى التدخل بشكل طارىء بعد حصول انهيارات مفاجئة للجيش السوري في بعض المناطق الحساسة،خصوصا في دمشق، وعلى الرغم من ذلك تمكن قادة الحزب الميدانيون من قراءة الموقف على الارض بصورة صحيحة، وعرفوا اين مكمن الخلل، واوقفوا الانهيارات، وساعدوا على نحو مؤثر للغاية في رسم «شبكة» حماية للمناطق الحيوية، وعملوا على تهيئة الارضية الصالحة والمناخات المناسبة للتدخل الايراني والروسي المباشر في الحرب السورية…
وتبعا لهذه التقييمات، فان حزب الله وحده الان يتمتع في سوريا بقبول واسع النطاق عند الشريحة المؤيدة للدولة السورية، وهنا كانت «الحنكة» في استيعاب العامل الديموغرافي، فحزب الله يتمتع بصدقية عالية لدى جمهور سوري يرى في المقاومة اللبنانية سندا حقيقيا لدولته دون ان يكون جزءا من لعبة المصالح الدولية التي «تحاصر» الدور الروسي، وتجعل منه محط انتقاد وصلت في بعض الاوقات الى حدود الاستياء من ما يعتقد هؤلاء انه عمليات «بيع وشراء» على حساب الدولة السورية ومصالحها..وحتى الايرانيين في سوريا لا يتمتعون بدرجة الثقة الموجودة تجاه حزب الله، «العقلية» الايرانية «الخاصة» لعبت دورا اساسيا في عدم وصول التفاهم الى حدوده القصوى، وكل من شارك في جبهات القتال في سوريا يدرك ان الجميع دون استثناء عانوا في الكثير من الاحيان من مشكلة غياب «الكيمياء»، وحده حزب الله نجح في الربط بين الجميع وشكل ضمانة مركزية «لدوزنة» العلاقة بين مختلف القوى بما فيها القوات الروسية…
وتشير تلك المعطيات الى ان الحزب نجح في فترة قياسية بانشاء منظومة امنية وعسكرية تحتاج الى جهد لوجستي استثنائي، يتناقض مع نطاق عملياتي صغير للغاية في لبنان بالمقارنة مع الجغرافيا السورية، والاكثر من ذلك كان نجاحه في التاقلم مع عقيدة قتالية جديدة مختلفة عما خبره مقاتلوه خلال المواجهات المفتوحة مع اسرائيل، ملفتا للنظر، في سوريا طبق عقيدة هجومية مستخدما عتاد الجيوش النظامية على عكس مهماته طوال السنوات الماضية حينما استخدم حرب العصابات مع اسرائيل، وخاض معها مواجهات دفاعية خلال الاجتياحات المتتالية، وبعد ان كان سلاح الصواريخ على انواعه، سلاحا استراتيجيا في العقيدة القتالية ضد الجيش الاسرائيلي، تبدلت الاولويات في سوريا حيث جرى تطوير «القوات الخاصة» على انواعها وتم صقل قدراتها على نحو غير مسبوق مع تطويع قوات «رديفة» سورية وغير سورية تعمل تحت ادارة عسكرية مستقلة، باتت تشكل اليوم رافدا مهما للغاية لقدرات الحزب العسكرية والامنية..
ووفقا لتلك المعطيات، فان تأثير حزب الله المباشر في سوريا ليس وحده ما اوجب «رفع البطاقة الحمراء» في وجه الحزب الان، في العراق «ملائكته» حاضرة، وفي اليمن البحث مستمر عن «اشباحه» وسط تقديرات سعودية-اميركية بان نجاح الحوثيين في تنظيم خطوطهم الدفاعية وتطوير قدراتهم القتالية ما كان ليحصل دون تدخل مدربين «محنكين» لديهم باع طويل في حروب مماثلة، وليسوا متوفرين الا عند حزب الله، والميزة التي تستحق التوقف برأي هؤلاء ان الذين تعاملوا في الميدان مع الحزب على امتداد تلك الجبهات، لم يتعاطوا معهم «كمرتزقة» وانما كان يسلم هؤلاء بثقة غير متناهية باهلية كادرات الحزب القيادية، وهذا ما منحهم القدرة على تولي مقاليد «القيادة والسيطرة» في معظم الاحيان…
هذا غيض من فيض ما وصلت اليه تلك التقارير عن دور حزب الله، ومن هنا تاتي خلاصة توصل اليها هؤلاء بشبه اجماع، وهي تفيد بضرورة تقليص قدرات الحزب واضعافه كمقدمة ضرورية لاي تسوية سياسية، تحتاج قبل ان تسلك طريقها الى النجاح في اضعاف الطرف الاقوى في المعسكر المقابل للحصول على مكاسب اكبر على «الطاولة». واذا كانت المطالبة برحيل الاسد او اعتباره من الان خارج «مستقبل» سوريا امر غير مقدور عليه بسبب «الفيتو» الروسي، واذا كان تحقيق «الحسم» في الميدان لاسقاط النظام السوري، امر غير متاح، فان ما تبحث عنه هذه القوى، هو ما تسميه «بالجائزة الكبرى»، اي «راس» حزب الله، وهي تعتقد ان دول محور المقاومة ومعها روسيا يمكن ان تقدمه «كبش فداء» في تسوية شاملة على تقاسم النفوذ في المنطقة، لكن ما تدركه تلك القوى، وتحاول بشكل يائس تجاوزه، ان الحزب بات قوى اقليمية مقررة يصعب تجاوزه، وهو في صلب دوائر القرار المركزية في دول محور المقاومة، وهو امر لمسه الروس عمليا على الارض، وهو ما حاول افهامه لافروف الى نظيره السعودي في موسكو..واذا كان ثمة من يساعد في لبنان في عملية تطويق الحزب، وينتظر «جثته»على «ضفاف النهر» فان الانتظار سيطول لان ثمة اجندات اخرى يتم التحضير لها، ومنها على سبيل المثال، انه عندما يتخذ القرار بتطهير الجرود لن يكون «الغطاء» السياسي المحلي عائقا..