أراد حزب الله بالأمس أن يتذاكى على المشهد اللبناني، وعلى «التسوية» التي تراجعت لتصبح «مبادرة»، ثم تراجعت لتصبح «فكرة» لتحريك الركود السياسي والتي سبق وأكدّنا أنّها لن تمرّ، ونعيناها أيضاً وقلنا إنّها ماتت فيما كان كثيرون يتحدثّون عن تبريدها وتجميدها، والتي دخل المسوّقون لها خلال اليومين الماضيين ضحالة التفنّن في طرح السؤال: «ما البديل»؟
تذاكى حزب الله بالأمس وأعلن موت مشروع «التسوية» وانتهينا من هذا الجدل البيزنطي الدائر في البلاد بعدما كاد يُطيح بحلفاء 14 آذار بعدما هزّ جمهورها، وخسر الذين راهنوا على إحداث شرخ في صفّ فريق الثامن من آذار فأقرب حلفاء فرنجية لم يتجرّأ على دعم ترشيحه، ولا حزب الله يريد سليمان فرنجيّة و»خجلان» من ميشال عون!!
كلام رئيس المجلس السياسي فيه ابراهيم امين السيد وشروطه الأخلاقيّة التي دبّج شرحها من على باب بكركي مقرّ البطريركيّة المارونيّة نسف المبادرة، مُلقياً كُرة المناورة إلى ما قبل المربّع الأوّل، بل «حدفها» إلى أوامر حسن نصرالله لتيّار المستقبل بمحاورة ميشال عون، إمعاناً في إحراج الرئيس سعد الحريري الذي أفضى حواره مع عون إلى فشل السير به كمرشح للرئاسة، راهناً ومراهناً الحزب ضمناً على تمسّك ميشال عون بنفسه مرشحاً وحيداً أوحد لرئاسة الجمهوريّة وحتى آخر أنفاسه!!
لم يفاجئنا موقف حزب الله ولا ما تذاكى بإعلانه رئيس المجلس السياسي فيه، بل أكثر من ذلك أعلن الحزب موقفه النهائي من على باب بكركي وبعد زيارة بطريركها وإبلاغه موقف الحزب من ترشيح سليمان فرنجية، قاطعاً حتى على البطريرك الراعي خطأ تزكيته فرنجية رئيساً ثم التراجع عنه، لم يُفاجئنا موقف الحزب لأننا في 4 كانون الأول الجاري كتبنا في هذا الهامش تحت عنوان «البطريرك و»جرصة» الرئاسة»: «التسوية لن تمرّ، وليس بسبب رفض كثير من اللبنانيين لها، بل لأنّ النائب ميشال عون سيمنعها من المرور وموقفه سيطيح بها، والكلمة الفصل في هذه التسوية هي لحزب الله لا لأحد آخر».
أغلب الظنّ أن لا رئيس في المدى المنظور للبنان لا سليمان فرنجية ولا ميشال عون أيضاً، فحزب الله ينتظر لحظة قد يظنّها مؤاتية لقلب الطاولة في لبنان، فقد بلغ في مأزقه حائطاً مسدوداً والخناق يضيق أكثر فأكثر على عنقه من كلّ الجهات عسكرياً، هلال إيران الشيعي كسرته روسيا في سوريا نهائياً، جنرالات الحرس الثوري وكوادر وقيادات حزب الله يقتلون والأرقام المعلنة بالعشرات، إيران فشلت في استخدام ورقة الحزب في لبنان وورقتي العراق وسوريا في الضغط من أجل مشروعها النووي، ها هو اليورانيوم المخصّب يغادر مفاعلاتها النووية، وها هي أذرعها تقطع ومؤامراتها تتهاوى من اليمن إلى نيجيريا، حزب الله هذه الأيام حاله كالمثل المصري «ضرب الأعور على عينه قال: خسرانة خسرانة»، فماذا سيخسر أو سيربح إن انتخب رئيس في هذا التوقيت، السلّة المتكاملة تنجح في تعيينات موظفي الفئة الأولى، لا في إلقاء الحزب القبض على الرئاسات الثلاث والحكومة والثلث المعطل وقيادة الجيش وقانون الانتخاب!!
وحزب الله لا يثق بأحد، لأنّه هو نفسه ينقلب على كل عهوده ومواثيقه فكيف بالآخرين، وما الإلقاء «المتذاكي» للكرة الذي أعلنه ابراهيم امين السيد في ملعب النائب ميشال عون بقوله: «ليجربوا ويتواصلوا مع العماد عون ليعرفوا إذا كان لا يريد أن يكمل وليختبرونا ويقولوا لنا إذا أرادوا رئيساً أم لا»، أو تأكيده عن دور حزب الله أنّ «هذا الدور لن يكون في إقناع الجنرال عون بالتخلي عن ترشيحه للرئاسة»، والحزب يراهن أصلاً على عدم تنازل عون ولو قيد شعرة حتى وإن انهار لبنان!!
في 9 كانون الأول الجاري كتبنا في هذا الهامش مقالة حملت عنوان: ملاحظات على هامش التسوية «بثقة أقول اليوم إنّ التسوية التي زلزلت لبنان منذ الأسبوع الماضي ماتت و»عطتكن عمرها» ودفنّاها أيضاً»، عاتبني أحد الزّملاء الكبار على قولي أن «التسوية» ماتت، قائلاً: «سجّلي عندك، شهرين زمان ويُنتخب فرنجيّة رئيساً»، بالتأكيد أسأله عن معطياته ولا عن مصدرها ولا على ماذا بنى هذه القطعية في تاريخ الشهرين وهذه القطعيّة في انتخاب سليمان فرنجيّة لرئاسة الجمهوريّة، اكتفيْتُ بمعطياتي وقراءتي لأحداث المنطقة إقليمياً، مُدركة أنّ السعودية ليست في وضع يسمح لها بتمرير تسوية رئاسيّة في لبنان حتى وإن باركتها «شفهيّاً»، وأنّ إيران في وضع لا يسمح لها بفرض حلٍّ ولا بقلب الطاولة عبر حزب الله لتحقيق أهدافها من تعطيل انتخاب رئيس للجمهوريّة منذ عام ونصف العام، وفي الأشهر المقبلة لا يملك لبنان إلا الانتظار حتى يتضح المشهد في سوريا واليمن، ومن يدري ربما في أماكن أخرى أيضاً!!