IMLebanon

غلطة الشاطر!

ليس بين المستبدين من لا يعتقد بقدرته على تكييف الواقع مع رغباته، وبدل الاعتقاد بان رغباته يجب ان تكون واقعية، اي قابلة للتحقق في شروط عليه تكييف خياراته وقراراته معها.

وبوتين، كاي مستبد، يعتقد انه وضع برنامجا لخطوته السورية، من غير الممكن أن لا يلتزم الواقع الميداني به، مهما تعددت الإرادات الفاعلة فيه وتناقضت مصالحها ومطالبها منه، وجافت بنوده المختلفة العوامل التي تنسج بتفاعلاتها وتعدد رغبات وإرادات الفاعلين فيها الواقع وتحدد صورته ومضمونه النهائىين. حدد بوتين برنامجه: أي المسار الذي على الواقع السير عليه والتقيد به، كما حدد الفترة الزمنية اللازمة لتطبيقه، أي لنجاحه المؤكد، وحدد ما على خصومه فعله : الانصياع لإرادته، ثم اطلق آلته العسكرية القاتلة على السوريات والسوريين، بعد أن ألزم قتلاه جميعهم بأن يكونوا ما ارداه لهم : إرهابيين، وجلس ينتظر انصياع الواقع للأمر الذي اصدره له.

لا يتعلم المستبد من اخطائه لأنه بكل بساطة لا يخطئ. ولا يقبل حيدان الوقائع عن المسار الذي رسمه، لأن إرادته هي الواقع الذي لا يمكن أن يوجد واقع سواه . ولا يقبل المستبد التراجع عن ما يقرره، لتوهمه ان توازن القوى مفهوم لا وجود له، وأن قوته غالبة يخسر لا محالة كل من يتحداها. لذلك، يستهين بغيره في كل ما يقدم عليه، ويستهتر بما قد يتطلبه انتصاره من حسابات صحيحة وخيارات واقعية . 

لنضرب الآن مثالا حيا يبين كيف خطط بوتين لتدخله العسكري في سورية . من المعلوم، بادئ ذي بدء، أن سلاح الجو لا يحسم الحروب بمفرده، لكن بوتين قرر أنه يستطيع، وتوهم أن الانتصار قادم لا محالة على اجنحة طائراته الحربية المتطورة، التي امرها بتغطية رقعة ارضية تقارب المائتي الف كيلومترا مربعا، تنتشر فيها مقاومة وطنية وشعبية شاملة وخبيرة تمكنت من احتواء جيش الاسد ومرتزقة حزب الله وجيش إيران وستة وعشرين تنظيما ارهابيا. الغريب أن بوتين اخذ قراره بغزو سورية اعتمادا على وجود جيش بري يستطيع الإفادة من غارات طائراته، متجاهلا ان هذا الجيش صار ميليشيا تأتمر بأوامر جنرالات إيرانيين، لكن هؤلاء يتساقطون كالذباب لان «الجيش» عاجز عن حمايتهم، ومنهمك في سلب ونهب البلدات والقرى التي يكلف بغزوها وتدميرها وقتل مواطناتها ومواطنيها. 

هذه الاخطاء، التي تعتبر اخطاء الف باء، فاتت بوتين، كما فاته أن اي عدد من الصواريخ المضاده للطائرات يزود به الجيش الحر يستطيع حشره في حال لا يحسد عليها، وأنه سيجد نفسه عندئذ أمام خيارات تتحدى حساباته، هي:

ـ ارسال قوات ارضية كبيرة إلى المعركة مع ما سيترتب على انخراطها المباشر فيها من نتائج يرجح ان تكون كارثية بالنسبة إلى دولة متوسطة القدرات كروسيا، أو تعزيز طائراته وما يمكن ان بفضي إليه من سقوط اعداد متزايدة منها، أو الاستعانة بايران ومرتزقتها وتقويض اهداف تدخله العسكري، ووضع نفسه وجيشه تحت رحمة غريمته طهران، واخيرا الخروج من سورية .

هذه الخيارات ستنهك جميعها روسيا سياسيا واقتصاديا عسكريا، وستسبب لها مشكلات هي في غنى عنها، وستمكن أميركا وأية دولة اقليمية أو عربية من ايقاعها في فخ استنزافي لن تخرج منه بشروطها، وستوقع بها هزيمة لا قبل لها بتحمل نتائجها . 

دمر استبداد بشار الاسد سورية . وسيدمر استبداد بوتين القيصري روسيا. من لا يصدق، فليتابع تطورات مأزقه في سورية، الذي لن يخرج منه بقتل المئات من اطفاله ونسائه يوميا.