IMLebanon

نوايا.. هل تسند الزّير؟

وفى الرئيس نبيه برّي دينه ـ كما قال ـ للرئيس سعد الحريري بتسميته رئيساً للحكومة، والتسمية لرئاسة الحكومة شيء، أمّا تأليفها فشيء آخر تماماً، وبعيداً عن أجواء ابتهاج الأمس بتكليف الرئيس الحريري تشكيل أولى حكومات العهد والرّغبة التي يُبديها الجميع بتسهيل أمور البلاد المعقّدة، إلا أنّ خبرة اللبنانيين منذ العام 2005 تؤكّد أنّ التأليف يحتاج إلى صبرٍ طويل، وأنّ الحديث عن بضعة أسابيع سيستغرقها التشكيل يُجافي واقعية السياسة اللبنانيّة المُعقّدة والتي تزداد عُقداً على عقد!!

حتى أكثر المتفائلين تيسيراً يعرف أنّ مشهد الاستشارات النيابيّة خلال اليومين الماضيين يُشبه مقولة الشاعر الجاهلي «امرؤ القيس» الشهيرة «اليوم خمرٌ وغداً أمر»، والأيام المقبلة ستكشف واقعيّة المثل الشعبي اللبنانيّ «ما في عصي عقدّ العميان»، إذ لا يوجد وزارات سياديّة وأساسيّة تساوي عدد الطّامعين في جبنة السلطة، والأيّام المقبلة كفيلة بكشف الصراع الطّاحن على «وزارة الطاقة»، والتي ينبغي أن يتمّ تعديل اسمها إلى «وزارة النّفط» واللاهثين خلف ملياراته الموعودة!!

أربع فرقاء سياسيين سيتصارعون على «وزارة النّفط» فالمكاسب والعمولات والسمسرات المتوقّعة من بوّابة النفط بالمليارات، ولا نظنّ أن فريقاً من الأربعة المتصارعون سيتنازل عنها بسهولة، خصوصاً إذا كان الرئيس نبيه بري «ضارب عينو عليها» ولا نظنّ أنّه سيتخلّى عنها نهائيّاً، مع ملاحظة أنّه سيصرّ على بقاء وزارة الماليّة من حصته وفوقهما يطالب بوزارة ثالثة لم تعرف هويّتها بعد، وللمناسبة علينا التذكير بذاك الصراع المرير الذي خاضه الرئيس الحريري الأب مع الرئيس نبيه برّي ليستنقذ وزارة الماليّة من يديْه في أولى حكوماته واضطر يومها ليكون رئيس الحكومة ووزير الماليّة وأن يعيّن الرئيس فؤاد السنيورة وزير دولة للشؤون الماليّة ليستطيع «التقليع» بأولى حكوماته، وكان يومها مدعوماً من الرئيس السوري حافظ الأسد.

هذه الحكومة تحديداً وبالرّغم من رغبة الجميع في إنجاح مهمة تأليفها، إلا ان العصيّ في دواليبها كثيرة، ومن أعجب ما تواجهه هو رفع البطاقات الحمر في وجه فريق لبناني هو القوات اللبنانيّة وهي شريك أساسي في إخراج هذه الجمهورية من مأزقها وصاحبة الحقّ الأوّل في شقّ الطريق إلى قصر بعبدا وطيّ صفحة الشغور، ومع هذا يقرّر البعض بوقاحة ما هي الوزارات الممنوعة عليها، ثمّ يحدّثوننا عن حكومة «وحدة وطنية»!!

العبرة في أولى حكومات هذا العهد هي في ترك الرئيس سعد الحريري ليؤلّف حكومة منتجة، فتجربتنا مع «بدعة» اسمها «حكومة وحدة وطنيّة» التي اخترعها الاحتلال السوري ليعطّل الحكم في لبنان ومرّة تلو الأخرى يقع كل رئيس تمّ تكليفه بتشكيل حكومة في فخّها فمرة «إنقاذ وطني» ومرّة «مصلحة وطنية» ومرّة «وحدة وطنية» ونحن البلد الوحيد في العالم الذي تتشارك فيه المعارضة والموالاة حكومة واحدة لتكون مفاعيل تعطيلها منها وفيها!!

في أقلّ الاحتمالات سيستغرق تشكيل الحكومة ربما إلى حين انتقال السلطة في الولايات المتحدة الأميركيّة، مع اتضاح هويّة الرئيس الأميركي المقبل خلال بضعة أيام، وسواء فازت هيلاري كلينتون أو فاز دونالد ترامب وقع النتيجة على لبنان والمنطقة سيكون سيئاً، فإن وصلت كلينتون سيبلغ الجنون الإيراني في المنطقة ذروته، وإن وصل ترامب لن تجد الممانعة «مين يهدّيها»، وسيعتبر وصوله انتصاراً شخصياً لبشار الأسد ومن معه، وترجمة النتيجة لا بدّ أن تتظهّر في لبنان وباقي المنطقة على حدّ سواء…

الأسبوع المقبل ستبدأ «طوشة» الحصص وتناتشها، في وقت أعلن فيه بالأمس خليفة داعش نقل غزوه إلى تُركيا، فيما مصر تترنّح على حافة ثورة جياعٍ لن تُبقي ولا تذر، فيما نحن نترقّب اللحظة التي سيحين دورنا في الانزلاق إلى عصفوريّة المنطقة، فماذا بعد الابتهاج المتنقّل في الربوع اللبنانيّة السعيدة؟!