يصعب كثيراً التعامل مع تجربة الحوار الجاري بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بأحكام مسبقة ومتسرعة ما دام الفريقان لا يزالان يظهران جدية كافية لترسيخ الانطباعات بأنهما ليسا متراجعين عن بلوغ الحوار نهاية مرحلته الاولى بـ”اعلان نوايا” مشترك. وتبعا لذلك ترانا من شريحة مترقبة لهذا التحول المفصلي بذاته اكثر من الذين يرصدون مصير الحوار في مسألة الازمة الرئاسية.
فثمة عوامل عدة تجعل ترقب صدور وثيقة سياسية عن الفريقين اكثر اهمية مما يتم التعامل معها راهنا بنوع من الانطباعات التي تعمم طابع المناورة على التجربة على رغم الجهد الواضح لدى كل منهما لتبديد هذه الانطباعات التي تبررها تراكمات التجربة المرة والقاسية بينهما. ولذا سيكون “اختبار النوايا” الصارم لهما في اعلان الوثيقة اكثر اهمية تبعا لما سيحمله من بنود مقنعة بأن القيادتين العونية والقواتية مضتا فعلا في طي صفحة “انهاء العداء” الى لارجوع بمعزل حتى عما تبيته كل منهما في الحسابات الرئاسية. هذا المحك لا نظن انه خاف عن العماد عون والدكتور جعجع سواء صدق ما يقال عن تأثرهما بالحوار المستقبلي – الحزب الهي ام لكونهما تقاطعا للمرة الاولى عند استشراف لحظة الخطورة الوجودية على مصير المسيحيين في الانطلاق نحو آفاق مواجهة مختلفة مشتركة لهذا الخطر. لذا لا يعود غريبا ان يكون “اعلان نوايا” استلزم عشرات جلسات الحوار وعصفا فكريا هو الاول من نوعه بينهما تطورا نافلا او عاديا، بل اكثر من ذلك، لا يعود في امكان اي منهما التراجع عن هذه الخطوة متى اضحيا “أسيري” التزام قطعاه طوعا بالوصول اليه كحد ادنى في فتح الصفحة الملزمة التي تأخرت اكثر من عقدين ونصف العقد منذ حربهما المدمرة.
ليس ثمة نسبة ولو واهية تسمح بالتفاؤل النسبي او المفرط في توصل العماد عون والدكتور جعجع الى صفقة رئاسية، مهما قيل. كما ان عوامل اختصار صفقة محتملة كهذه بالزعيمين، ولو تقدما الزعماء الأكثر تمثيلا لدى المسيحيين، لا تحمل بالضرورة عوامل نجاح في فرضها على الداخل والخارج. لكن الامر يختلف اختلافا جذريا مع تطور سيكون حدثا حقيقيا متى وضعت رؤية سياسية مشتركة ناجزة امام الرأي العام المسيحي واللبناني تحمل كل عوامل الجدية الحاسمة في اعلان نهاية رواسب الحروب المسيحية وعدائياتها النفسية والمعنوية والسياسية على اقل تقدير. ولعله يتعين على قيادتي الفريقين المتحاورين ان تدركا ان اختبارهما قطع الخط المسموح للمناورة بما يعني أن ربط التجربة الجارية بمنعطف الرئاسة سلبا او ايجابا سيسقطها برمتها. فإعلان النهاية الفعلية للحرب المسيحية الباردة بمعزل عن ارتباطات الفريقين بات هو الاختبار الحاسم.