في نقد 13 نيسان (25) الأخيرة
واهمٌ من يعتقد أنّ المجتمع الدولي يقدم مساعدة لبلد أو لفريق فيه، باستثناء الحالات الإنسانية والكوارث الطبيعية كالزلازل، إلا لما فيه مصلحة الدولة المانحة أولاً، خاصة في الحروب، وفي الحروب الأهلية على نحو أخص.
وهمٌ اقترفه من سعى من اللبنانيين وراء عون يأتيه من وراء الحدود. اقترفه اليسار حين سعى إلى التغيير عن طريق الثورة الفلسطينية، واقترفه كل من التجمع الإسلامي والجبهة اللبنانية باستدراجهما النظام السوري، والمارونية السياسية باستدراجها إسرائيل، واقترفه المجتمع الدولي والثنائية القطبية بالموافقة على دور للنظام السوري يأخذ شكل الردع أو شكل الوصاية.
من الأوهام ما لم يتبدد بعد. مواقف الأم الحنون دليل ساطع. الرئيس الفرنسي جاك شيراك كان قد دعا اللبنانيين إلى احترام مصالح سوريا في لبنان قبل أن يزيل اغتيال رفيق الحريري الغشاوة عن عينيه. أمّا الرئيس ايمانويل ماكرون فبدا سخياً بعد أن دفعه عصف انفجار مرفأ بيروت إلى زيارة لبنان مرتين خلال شهر واحد، إلى أن فضحته نخوته وحماسته لمرشح الثنائية الشيعية. وراء تلك النخوة كانت تقبع مصالح الاستثمارات الفرنسية في إيران أو في البحر اللبناني.
المراهنون على العقوبات الأميركية فاتهم أنّ حكومات الولايات المتحدة، بصنفيها اللدودين الجمهوري والديمقراطي، وافقت على اجتياح اسرائيلي «يقبع» الثورة الفلسطينية، وقبله على تدخّل سوري يحتويها أو يقلم أظافرها على الأقل. أتت الموافقة مضبوطة بالأولوية على مصالحها.
الولايات المتحدة قدمت مساعدات عسكرية ولوجستية للجيش اللبناني ولقوات الطوارئ الدولية وأنفقت، في الوقت ذاته، مساعداتها الانمائية لـ»ثنائي» تفرض عليه العقوبات ويستفيد جمهوره في الجنوب اللبناني منها. هذا الجمهور لا يتردد في مواجهة الجيش وقوات الطوارئ إذا ما دعت ضرورات «الثنائي» الأمنية إلى ذلك. لوحة سوريالية! أليس كذلك؟
كثيرة هي الجهات التي قدمت الدعم وتقدمه لأطراف داخلية متعارضة ومتواجهة. للدولة اللبنانية كما للمقاومة الفلسطينية، للدولة أو لأحزاب مناوئة للدولة، وليس سراً القول إنّ المتحاربين على خطوط التماس اللبنانية كانوا يتشاركون بعض مصادر التمويل والتسليح.
لا الصداقة ولا العداوة بل المصالح. استثمار المجتمع الدولي في قضية النازحين السوريين عينة ذات دلالة. جهات دولية مانحة قدمت هبة مالية استخدمها النافذون لتجفيف نبع الطاسة، منبع نهر الزهراني. الذريعة تخزين المياه الفائضة شتاء لتعزيز صمود النازحين السوريين. آه لو يتحقق وفد ألماني من الخزانات الضخمة التي ظلت فارغة هذا العام من أي نقطة ماء. المؤسف أنّ الجهات اللبنانية الفاسدة التي بددت من المال العام على سدود أقامتها على مجرى النهر ذات صيف وانهارت عند أول زخة مطر خريفية، هي ذاتها التي استدرجت الدعم لجر مياه افتراضية إلى خزانات من الباطون الحرام.
بالرغم من مخالفته كل القوانين البيئية المرعية لا في لبنان وحده بل على الكرة الأرضية كلها، فإنّ التبرير المضمر للمشروع ليس سوى تقاطع مصالح بين الطرفين: الجانب الألماني يسعى إلى منع النازحين من التوجه غرباً، ومن الجانب اللبناني تنفيعات بالجملة وبالمفرق للسكوت على جريمة بحق الطبيعة وبحق أهالي القرى المحيطة بالنبع وأصحاب الأراضي على مجراه.
هذه العينة المأسوية من التدخل الدولي تؤكد أن أهل مكة أدرى بشعابها، وأنّ الحصانة الوحيدة للبنان هو مناعته الداخلية ووحدته الوطنية. هذا لا يتحقق إلا بالدولة، دولة القانون والمؤسسات التي عليها، بدل تجفيف منابع الأنهار، أن تجفف ينابيع الهدر في الإنفاق وينابيع التمويل الخارجي المتسلل إلى الأحزاب والبلديات والمجتمع المدني بعيداً عن رقابتها.