IMLebanon

التدخّل حقّ لا تهمة في الانتخابات الأميركية

 

 

خريف الانتخابات النصفية للكونغرس يشعل أميركا. وكل شيء يعيد التذكير بسؤال ادلاي ستيفنسون المرشح الرئاسي سابقا: أين يبدأ السيرك وأين ينتهي الشطرنج في الانتخابات الأميركية؟ فالرئيس دونالد ترامب يصدر أمرا تنفيذيا بمعاقبة كل من يتدخّل في الانتخابات من خارج الولايات المتحدة. وهاجسه هو أن يستعيد الديمقراطيون السيطرة على الكونغرس بما يفتح الباب أمام احتمال محاكمته وعزله. وهو اتخذ موقفا مختلفا من التدخّل الروسي في الانتخابات الرئاسية التي جاءت به الى البيت الأبيض. إذ عمل من دون جدوى لطيّ التحقيق الذي يجريه المحقق الخاص روبرت مولر في التدخّل. لا بل وقف الى جانب الرئيس فلاديمير بوتين في قمة هلسنكي معلنا انه يصدّق نفيه لأي تدخّل، ولا يصدّق معلومات الاستخبارات الأميركية.

وكان ذلك أبسط تأكيد عملي لقول الخبير الروسي ديمتري سايمز ان الروس يريدون أميركا ضعيفة ورئيسا غير ضعيف كفاية ليتفاوضوا ويتعاونوا معه. ومشكلة بوتين في الرهان على ترامب عجزه عن تطويع الدولة العميقة المخاصمة للروس.

لكن التدخّل في الانتخابات الأميركية ليس ولا يجب أن يكون تهمة. فهو حقّ لكل شعب ودولة ومؤسسة وفرد في العالم. وممارسته هي واجب دفاعا عن الحقوق الوطنية والمصالح السياسية والاقتصادية للبلدان والشعوب التي تتدخّل أميركا في انتخاباتها وتأليف حكوماتها وادارة اقتصادها ونوع برامجها المدرسية ومعظم أمورها العسكرية والأمنية. واذا كان ترامب كارثة، فان صراحته مفيدة، بحيث ينطبق عليه تعبير لينين الشهير: المجانين المفيدون. فالعالم بالنسبة اليه ميدان تنافس على المصالح وليس مجتمعا دوليا. والمواطن الأميركي الذي يدلي بصوته، ينتخب عمليا له ولسواه باسمه وعن سواه في العالم رئيسا وأعضاء في الكونغرس يحكمون أميركا ويحاولون التحكّم بالعالم.

والسؤال البسيط هو: كيف يلام على التدخّل في الانتخابات الأميركية من تعاقبهم أميركا اقتصاديا، ومن تحمي سلب حقوقهم بالانحياز الى اسرائيل وتسليحها، ومن تفرض عليهم حكاما سلطويين يكدّسون الثروات الخاصة ويحرصون على إفقار الناس ويمارسون القمع بكل أنواعه؟ لكن أسوأ أنواع التدخّل هو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أخبار كاذبة وانتحال أسماء وهمية توحي انها أميركية. فالتدخّل المفيد هو طرح أفكار جديدة ونشر أخبار حقيقية للتأثير في نتائج الانتخابات بشكل ايجابي، وهو نجاح متنورين يراجعون السياسات الرديئة، أو أقلّه ايصال وجهات النظر المعبّرة عن حقوق البلدان ومصالحها الى الناخب الأميركي.

والنظام الأميركي في فوضى، والناخبون ضدّ الاستبلشمنت الفاسدة يبحثون عمن هم خارج النخبة، كما يقول فرنسيس فوكوياما في مقال نشرته مجلة فورين أفيرز الفصلية المؤثرة. لكن اللعب مع دولة عظمى سلاح ذو حدّين.