تستمر التعبئة العامة في فرض إيقاعها على اللبنانيين، بأشكال مختلفة، مع ما يرتبه ذلك من مسؤوليات وادوار على وزارة الداخلية، من التدقيق في التقيّد بالتعبئة وتفاصيلها الإجرائية على الأرض، إلى مراقبة الوضع الامني الذي يتأثر، في بعض جوانبه على الاقل، بالضغط الاقتصادي وتداعياته الاجتماعية خصوصاً لجهة ارتفاع عدد السرقات.
على وقع التحدّيات التي فرضها «الإرهاب الكوروني»، يحاول وزير الداخلية العميد محمد فهمي تطبيق التدابير المُتخذة، بأقل مقدار ممكن من الاستثناءات والمراعاة للخصوصيات اللبنانية التي تكثر في هذا البلد وتكاد تكون أقوى من القانون.
ومن بين الإختبارات التي واجهها فهمي، تطبيق قرار السماح للسيارات بالتجول مداورة، وفق أرقام لوحاتها المفردة والمزدوجة، خصوصاً انّ مثل هذه التجربة غير مألوفة في لبنان، ولم يكن سهلاً على البعض تقبّلها.
وفيما بدا انّها محاولة لتحييد الإجراء المُتخذ عن أي «مؤثرات جانبية»، تمسّك فهمي بالإبقاء على محضر ضبط، نُظّم بحق سيدة هي ضمن فريق عمل احد الوزراء في الحكومة، بعد مخالفتها قرار المفرد والمزدوج.
وعندما التقى هذا الوزير بفهمي خلال إحدى جلسات مجلس الوزراء، حاول إيجاد اسباب تخفيفية لصاحبة المخالفة المرتكبة، إنما من دون أن يطلب صراحة الغاءها، فيما قرّر فهمي «تجيير» غرامة الـ50 الفاً التي دفعها الوزير نيابة عن مساعدته، لشخص يحتاج إلى الدعم المادي.
لكن الإختبار الأدق الذي صادفه فهمي تمثّل في تنظيم عناصر من قوى الأمن الداخلي محضر ضبط بحق ابنه (علي) بسبب مخالفة سرعة في منطقة الأشرفية. والمفارقة، انّ الملكية القانونية للسيارة التي كان يقودها علي تعود الى والده، وبالتالي فإنّ المحضر سُطّر باسم وزير الداخلية محمد فهمي، الذي أصرّ على أن يدفع ابنه، من جيبه، الغرامة المستحقة وهي 100 الف ليرة «لأنّ الدرس الذي يتعلّمه من كيسه يكون أجدى».
وعندما قيل لفهمي إنّ في الإمكان الغاء محضر الضبط، اذا اراد، رفض الأمر، منبّهاً الى أنّه سيعاقب من يفعل ذلك.
ويؤكّد فهمي لـ«الجمهورية»، حرصه على تطبيق القانون بحذافيره، «بدءاً مني ومن عائلتي وصولاً إلى جميع المواطنين، الذين ينبغي أن يكونوا سواسية أمام القانون بمعزل عن مراتبهم وانتماءاتهم». ويوضح، انّ إجراء المزدوج والمفرد سيستمر ساري المفعول حتى 26 نيسان، على الأقل، موعد انتهاء المرحلة الثانية من التعبئة العامة، «مع بعض التسهيلات الموضعية الضرورية، كتلك الممنوحة لسائقي الأجرة، الذين سُمح لهم بالعمل يوم الأحد»، لافتاً الى انّه سيتحدّد لاحقاً ما اذا كان سيتمّ تمديد مفاعيل التعبئة وتدبير المفرد والمزدوج ام لا، تبعاً لنتائج المراجعة التي سنجريها في حينه ليُبنى على الشيء مقتضاه».
ويشدّد فهمي على انّ الأمن ممسوك عموماً، بفضل العمل الدؤوب الذي تؤدّيه الأجهزة كافة، «لكن هناك ارتفاعاً في معدّل السرقات نتيجة الوضع الاقتصادي السيئ». ويحذّر من أنّه «اذا لم تبدأ المعالجة، ولو المتدرجة، للأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية المتفاقمة، فإنني اخشى من انعكاسات سلبية محتملة على الوضع الامني. «ويضيف: «اذا حصل انفجار اجتماعي تحت ضغط الضائقة المعيشية، فإنّ شظاياه ستصيب الوضع الأمني، ولذا تستوجب قاعدة الأمن الاستباقي احتواء المأزق الأقتصادي قبل أن تتفاقم مضاعفاته وتداعياته».
وضمن سياق متصل بالسعي الى تحصين الأمن الاجتماعي، سيتمّ عند الخامسة بعد ظهر اليوم افتتاح الـplat form (المنصّة المعلوماتية) المختصة بمسح «داتا» العائلات الأشد فقراً، وذلك في إطار استكمال إعداد اللوائح التي سيشملها توزيع مساهمة الـ400 الف ليرة على الأُسر الأكثر حاجة.
وقد تولّت وزارة الداخلية، بالتعاون مع التفتيش المركزي، إنجاز هذه المنصّة التي ستحقق التواصل بين المواطنين المحتاجين الى المساعدة من جهة، والبلديات والمخاتير من جهة اخرى، لتعبئة الاستمارات الممكننة، على أن يجري التدقيق في المعلومات ومقاطعتها لدى وزارة الداخلية والتفتيش المركزي، قبل أن توضع في تصرف وزارة الشؤون الاجتماعية، لتصبّ في نهاية المطاف في برنامج خاص لدى رئاسة الحكومة بفعل حساسيتها الأمنية.
ويؤكّد فهمي، «انّ هذه المنظومة المتكاملة ستعتمد الشفافية والنزاهة في كل مراحلها، بعيداً من المحسوبيات والاستنسابية»، مشيراً الى «انّ رؤساء البلديات والمخاتير هم موضع ثقتنا، وسيتقيّدون بالضوابط في وضع اللوائح»، ومنبّهاً «كل من سيحاول العبث بالمعايير المحدّدة او التحايل عليها، الى أنّ عقاباً قاسياً ينتظره، والأفضل ان لا يجربوني».