IMLebanon

رسالة إلى معاليه…

 

نصّت المادة /17/ من الدستور اللبناني صراحةً على أنّ السلطة الإجرائية مُناطة حصراً بمجلس الوزراء، وهو يتولّاها وفقاً لأحكام الدستور.

 

كذلك نصّت المادة /65/ منه أنّ مجلس الوزراء يضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات، ويتّخذ القرارات اللازمة لتطبيقها.

 

ونصّت المادة /64/ من الدستور(الفقرة الثانية منها)، بدورها، أنّ الحكومة لا تُمارس صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مُستقيلة إلًا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال. ودَرجَت العادة، وفي أكثر من حكومة سابقة، وحينما تكون الحكومة في حالة تصريف أعمال بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة، ونظراً لاستحالة انعقادها دستوراً (إلّا في الحالات الطارئة والاستثنائية) وبِغضّ النظر عن دستورية هذا الإجراء، وما إذا كان يُعتبر اختزالاً لصلاحيات مجلس الوزراء، دَرجَت العادة على اتفاق رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على التدبير أو القرار، حيث يصدر عن رئاسة مجلس الوزراء في صيغة «قرار»، على أن يُعرض لاحقاً على الحكومة على سبيل التسوية، وَفَور صدور هذا القرار عن رئاسة مجلس الوزراء يُصبح وكأنّه صادر عن الحكومة أصولاً.

 

وفي 10/11/2020، صدر عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء قرار حمل الرقم 2191/ م ص، قضى بالإغلاق والإقفال وتقييد حركة سير المركبات والآليات، مُستثنياً بذلك بعض القطاعات والمصالح والمهن، من ضمنها «القُضاة والمحامون». علماً انّ القرار المذكور صدر عن رئاسة مجلس الوزراء، في ظلّ حكومة تصريف أعمال، واستناداً إلى موافقة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الإستثنائية عليه، على أن يُعرض مستقبلاً على الحكومة على سبيل التسوية.

 

وبالتالي، بات القرار وكأنّه صادر عن مجلس الوزراء، مع كل ما يترتّب على ذلك من نتائج وآثار. لكنّ المفاجأة تمثّلت بالاستنسابية التي اعتمدها معالي وزير الداخلية في قراره الذي أصدره إثر القرار المُومَأ إليه أعلاه. (القرار الرقم 1432 تاريخ 12/11/2020)، والذي كان يجب أن يكون تطبيقاً للقرار الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء تاريخ 10/11/2020. غير أنّ قراره تضمّن استثناءً لبعض القطاعات والمصالح والمهن، وأحجَم عن استثناء البعض الآخر، ومن ضمنهم «القضاة والمحامون»، رغم ورود استثنائهم أصولاً في قرار مجلس الوزراء، ما خلقَ بلبلة في أوساط القضاة والمحامين، ووَلّد تساؤلاً حول الدوافع والأبعاد. فبادرت نقابة محامي بيروت إلى إصدار بيان في 13/11/2020 أجازَت بموجبه للزملاء المحامين أداء رسالتهم يوميّاً من دون أيّ قيد على حركتهم من الخامسة صباحاً وحتى الخامسة مساءً، إيماناً منها بالدور الطليعي للنقابة وللمحامين، إحقاقاً للمصلحة العامة. غير أنّ ما حصل تَمثّل بعشرات من محاضر الضبط التي سَطّرتها القوى الأمنية بحقّ عدد من الزملاء، الذين قصدوا قصور العدل للإفراج عن موقوف أو لدَرء ضرر عن مظلوم.

 

قامت نقابة المحامين بدورها، نقيباً وأعضاء، كذلك مفوّض قصر العدل، غير أنّ تشبُّث معالي وزير الداخلية بقراره عَقّد المسألة، وطرح أكثر من علامة استفهام. وبالتالي، نسأل: كيف للمحامي أن يقوم بواجبه تجاه موقوف، أو قضية مستعجلة، وحركته مُقيّدة بالانتقال؟ كيف لقاضٍ أن يقصد محكمته وحركته مشلولة؟ فنقابة المحامين قامت وتقوم بما عليها، وباتت على وشك التصادم مع معالي وزير الداخلية، فأين وزارة العدل ممّا يجري؟ وهل يحق للوزير أن يُخالف قراراً صادراً بموافقة استثنائية من رئيس الدولة ورئيس الحكومة، أي أن يُخالف قرار مجلس الوزراء؟ فمِن الثابت أنّ اتفاق رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على تدبيرٍ مُحدّد أو قرار مُعيّن، في ظلّ حكومة تصريف أعمال، يوازي قوّة القرارات والتي يتّخذها مجلس الوزراء (على أن يُعرض لاحقاً على الحكومة على سبيل التسوية). وبالتالي، هل يمكن لوزير الداخلية أن يُعطّل قراراً صادراً عن مؤسسة مجلس الوزراء؟ ممّا يُفيد، أنّ القرار الذي صدر عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء في 10/11/2020 باستثناء «القضاة والمحامين» من تدابير التقييد، يُعتبر وكأنّه من نِتاج مجلس الوزراء، ويُلزِم هذا القرار أعضاء الحكومة كافة، ويقتضي على الوزراء التقيُّد بحرفيّته من دون استنسابية أو ازدواجية. وإنّ امتناع أي وزير عن التقيُّد بمنطوقه يُشكّل خرقاً لمبدأ التضامن الحكومي أو الوزاري.

 

صحيح أنّ الحكومة اليوم مستقيلة، وخارجة عن المُساءلة السياسية أمام مجلس النوّاب، لكنّ قرارات الوزراء تبقى، ولو بعد الاستقالة، تحت رقابة القضاء الإداري. نقابة المحامين تحرّكت واعترضت، وطالبت معالي وزير الداخلية بتصحيح قراره وتعديله. ولم يوفّر سعادة النقيب الدكتور ملحم خلف جهداً إلّا وبَذله في هذا الاتجاه، كذلك مفوّض قصر العدل الأستاذ ناضر كسبار، وأيضاً بقية أعضاء المجلس. فأين وزارة العدل ممّا يجري مع القضاة؟

 

وفي الختام، هل تعلم يا معالي وزير الداخلية أنّك تخالف الدستور، لا سيما أحكام الفقرة الثانية من نصّ المادة /66/ منه، والتي تفرض عليك التقيّد بالأنظمة والقوانين والقرارات الصادرة عن مجلس الوزراء. وفي النهاية، نُذكّرك يا معالي الوزير أنّ نقابة المحامين احتفلت في الأمس القريب بمئويّتها الأولى، وواجَهت المصاعب وتغلّبت عليها، ونازَلت المصائب وانتصرت عليها، فالجميع ذاهبون، نعم الجميع ذاهبون، أمّا هي فباقيةٌ باقية.