زار نقطة المصنع، واطلع على التدابير المتخَذة، واختلط بجمهور الوافدين، واستمع الى مطالبهم، واجتاز في اليوم الثاني الحدود متوجّهاً الى دمشق.
ليست المرّة الأولى التي يزور فيها اللواء عبّاس إبراهيم العاصمة السوريّة، لكّنها الأولى التي تحظى بهذا القدر من الإهتمام في الأوساط الديبلوماسيّة المتابعة، كونها «تنسيقيّة»، وفي ظرف بالغ الدقة، وقبل بدء الخطة الأمنية في البقاعين الشمالي والجنوبي، وبعد سلسلة من الإنجازات الأمنيّة في الداخل.
ويبدو أنّ المرصد الديبلوماسي «شغّال» هذه الأيام في إتجاه الحدود، يرصد، يُدقّق، ويُسجّل. وفي التفاصيل أنّ جريمة التفجير في جبل محسن كانت عابرة للحدود. صحيح أنّ الإنتحاريَّين إنطلقا من منطقة المنكوبين، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ التدريب، والتلقين، والتخطيط قد جرى وراء الحدود.
ولا يمكن إغفال الإنجاز الأمني الذي تحقّق في سجن رومية، لكن تبيّن أنّ غرفة العمليات في (المبنى ب) كانت على صلة بغرفة عمليات «داعش» و«جبهة النصرة» في القلمون، والقُصير، وجرود عرسال، وهذا ما يؤكد أنّ الحدود لا تقتصر على المعابر، بل تشمل «الأوامر» أيضاً.
في المرصد الديبلوماسي، أنّ «التنسيق» لا يقتصر على الإجراءات الأخيرة لتنظيم الدخول فقط، بل يشمل ضبط المزاج السياسي بعدما رفض البعض التأشيرة، فيما تحدّث البعض الآخر عن إستمارة، أما الطرف الثالث فأوضح أنّ الإجراءات المتخذة روتينيّة لإكتشاف غرضيّة الوافد.
فيما إتخذ الطرف الرابع وضعيّة الإستنفار، ورفَع الصوت، وسيَّس الموضوع لأغراض خاصة، وضرب على وتر الفئويّة والعنصريّة لإثارة الغرائز… لذلك كان لا بدّ من التوضيح والتنسيق والتشاور مع دمشق.
يتحدث بعض الديبلوماسييّن عن مهمة جديدة، وتوصيف جديد. لم يعد نهاد المشنوق وزيراً للداخليّة فقط، بل وزيراً للحدود أيضاً، وهي طويلة، وشائكة، ومتعرّجة، ومعقّدة. صحيح أنّ اللواء إبراهيم كان دائماً رجل المهمّات الصعبة في أعزاز ومعلولا، ولكنّ الصحيح أيضاً أنه يمثّل معادلة التنوّع الشيعي في رئاسة مرفق أمني حيويّ في ملاك وزارة الداخليّة برئاسة السنّي – المستقبلي نهاد المشنوق، ومهماته في الداخل والخارج لا تشكّل خروجاً عن المألوف، بمقدار ما تأتي نتيجة التخطيط والتنسيق المحكمَين، ووفق ضرورات المصلحة الوطنيّة العليا.
أثار البعض مسألة الإتفاقات السابقة التي كانت تنظّم العمالة، إلّا أنّ الحقائق فضحت السوابق، كان الكلام يومها عن 70 او 80 ألف سوري يعملون في لبنان، وكانوا حاجة إقتصاديّة في قطاعات الزراعة، والبناء، والمهن المتواضعة. الآن تغيّرت المفاهيم والأرقام، هناك ما يقارب المليونين ينتشرون من أقصى لبنان حتى أقصاه، وقد حملوا معهم خلافاتهم، وتبايناتهم السياسيّة والمذهبيّة، وفقرهم، وتعتيرهم.
كانت أولوفهم في السابق حاجة إقتصاديّة، أصبحت ملايينهم عبئاً أمنيّاً، وإقتصاديّاً، وإجتماعيّاً، ومعيشيّاً، ومع تقدّم الإرهاب، وتحصّنه على الحدود، وتنقل غرف عملياته ما بين الداخل والخارج، أصبح الخطر مصيريّاً، وأصبح التغيير الديموغرافي ملفّاً مفتوحاً مطروحاً على المسؤولين والمرجعيات ونخب المجتمع المدني.
وإنطلاقاً من هذا الخطر، ورقعة إتساعه، يتولّى المشنوق، وفق تقويم المرصد الديبلوماسي، حقائب ثلاث: الداخليّة، والحدود، والتنسيق بعدما تقدّم الحوار المستقبلي مع «حزب الله» خطوات الى الأمام في تحصين الوضع الأمني، وتنزيهه من الخطاب المذهبي مع عودة الأحزمة الناسفة والرسائل المشفّرة من «داعش»، و»جبهة النصرة».
وربما ينطلق المشنوق من هذه الكوة التي إستحدثها الحوار في الجدار الصلد ليوسّع الدائرة، معوّلاً على خبرة تفاوضيّة لا يمكن إنكارها على إبراهيم، وكفاءة لا يمكن إختزالها في الموقع الذي يحتلّه بما ومَن يمثّل في معادلة الأمن الوطني الذي يسعى اليه المتحاورون، خصوصاً أنّ «الأجندة» تحوي على مواضيع معقّدة، وتحتاج الى نَفَس طويل من التنسيق والتشاور مع دمشق، من مسائل الحدود وثغراتها وشوائبها، الى المعابر وسبل ضبطها، الى المليونَي سوري الذين يتوالدون ويتكاثرون، وطريقة إعادتهم الى الإرهاب الوافد، وغرف العمليات المتنقلة، الى المطالبة بإستحداث مناطق عازلة على الحدود، لتصبح مجرّد إمارات لـ«داعش» و«النصرة»، الى قضيّة عرسال والجنود المحتجزين، وفك الإرتباط بين المستفيدين المستثمرين الجدد في الفوضى الأمنية في الداخل وعلى الحدود.
• هل ما كان مرفوضاً قد أصبح مقبولاً في زمن الحوار؟
– يجيب بعض الديبلوماسييّن: عندما ذهب المشنوق الى بلدة الطفيل حاملاً الإغاثة لأبنائها، إصطحب يومها معه الحاج وفيق صفا الى جانب نخبة من حملة النجوم المكلَلة على الأكتاف، وكان المشهد يومها إستفزازيّاً لكثير من نخب وفاعليات «المستقبل». اليوم المشنوق أمام مهمة جمع الرئيس سعد الحريري مع السيد حسن نصرالله، وهذه الجمعة لا يمكن أن تتمّ إلّا بعد أن يكون قد تأكد من حسن التنسيق في ضبط الحدود.