بخلاف الارتباك الذي عاشته وزارة الداخلية يومي 22 و23 آب، لم يولّد التحرك في ساحتي الشهداء ورياض الصلح السبت توتراً في غرف هذه الوزارة، التي كان وزيرها أول من أمس الأكثر «هدوءاً» بين الموجودين. لم يكُن يوم وزارة الداخلية أمنياً بامتياز. لم يخرُج قرار يقضي بمضاعفة عدد عناصر الدرك على أبوابها من الجهتين. الداخل إليها لم تعِقه أي إجراءات استثنائية. الحركة على مدخلها «خفيفة»، حتّى يُخيّل للمارين إلى جانبها أنه يوم عطلة.
الوزير «المغضوب» عليه شعبياً، وصل صباحاً. لكن من دون مواعيد تقليدية. ساعة ونصف، تلقى الاتصالات التنسيقية، قبل ترؤسه اجتماع الأمن المركزي في الوزارة. أربع ساعات ناقش خلالها «الإجراءات المتخذة» و«الاتفاق على إنشاء غرفة عمليات مشتركة بين الجيش وقوى الأمن الداخلي لحفظ أمن التظاهرة وسلامة المتظاهرين، وعدم السماح للمخلّين بالأمن بتعريض البلاد لأي خطر». اطمأن المشنوق إلى سير عمل الخلية الأمنية وخرج عند الساعة الثانية بعد الظهر إلى «لقاء» لم يفصِح عنه لأحد داخل الوزارة . أين الوزير؟ لا أحد يملك جواباً، أو أن أحداً لا يريد الإفصاح!
انتظر المشنوق حتى فُضت الجموع على بابها، وعاد بجوّ «مرتاح» لا يستطيع أحد تفسيره. مزاجه لا يُشبه أبداً «المعارك» الدائرة بين الشارع والحكومة. يتجه إلى كرسيه المقابل لحائط «متروس» بشاشات تلفزة لمحطات محلية وفضائية تنقل الحراك. ينظر تارة إلى متظاهر يحمل لافتة لصورة الوزير في اليونان ويصفه بملك الطاووق، فيعلّق قائلاً «مهضومين»، ويتابع عبر هاتفه رسائل تضامنية: «الله يحميك معالي الوزير… الله يكون بعونك». بين الالتفاتتين، يجد لنفسه وقتاً للتطرق إلى ملفات سياسية؛ من الحوار إلى الانتخابات الرئاسية إلى القوى السياسية التي لم يُعد بمقدورها تجاهل الناس.
يراجع تقارير تؤكّد أن «الحشد الأكبر نزل من الجنوب، حيث اليسار في مناطقه شارك بكثافة، فيما استجابة باقي المناطق كانت أخف». يرفع هاتفه الأرضي للاتصال بالمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص والاستفسار عماّ إذا كان بالإمكان تحديد نسبة المشاركة، علماً بأن لا شيء مؤكّداً قبل الساعة الثامنة. مع اقتراب عقارب الساعة من السابعة، وبعد اطمئنان وزير الداخلية إلى عدم وجود أي إشكالات أمنية، قرّر المشنوق المغادرة والتوجّه إلى رياض الصلح للقاء رئيس الحكومة تمّام سلام. لم تفُت دقائق على مغادرته، حتّى بدأت الأخبار العاجلة ترد للإشارة إلى توجّه عدد من المعتصمين باتجاه السرايا الحكومية.
كان المشنوق قد التقى قبل يوم من التظاهرة قائد الجيش العماد جان قهوجي في الفياضية، لمقاربة ما يحصل. وقد ترجم هذا اللقاء «توافقاً» في الاجتماع الأمني صباحاً في اليوم التالي، حيث «تبيّن أن الجيش موجود في سبعة مواقع محيطة للساحتين، وأن المؤسّسة في حالة جهوزية تامّة». وفي الاجتماع «قدّم كل جهاز أمني تقويمه لمجرى الأحداث، حيث لوحظ عدم وجود قلق كبير من الأجهزة، ولا سيما أنه لا معلومات لديها عن تحضير لشغب وعن مشاركة لعناصر حزبية من باب إثارة الفوضى». لكن الكل رفض تقديم أي «ضمانة بعدم وقوع نقطة دم».
مرّ «القطوع» على خير من وجهة النظر الأمنية. ارتاح وزير الداخلية لعدم تكرار مشهد العنف الذي أقلق راحته الأسبوع الماضي. في السياسة، يعتبر ما حصل «إنذاراً جدياً للسلطة السياسية، ونجاحاً للمنظمين، وحراكاً أظهر حجم الوعي عند الناس وقدرتهم على التظاهر حضارياً».