مرَّت ثلاثة أشهر على التكليف ولم تبصر «حكومة الوفاق الوطني» النور بعد… حيث يرى متابعون ان لبنان على أبواب مرحلة جديدة، لم تتضح تفاصيلها كفاية بعد، وان كانت معالمها وخطوطها العريضة، قيد التداول سراً وعلانية.. ما يعني أنه من المبكر الجزم بمصير هذا الاستحقاق، والقفز من فوق جملة من الاستحقاقات والمعطيات الدولية والاقليمية والداخلية التي يتوقع ان تظهر بصماتها جلية وبالتتابع، وبالتحديد استحقاق تأليف الحكومة العتيدة وما ستكون عليه الاصطفافات في الداخل كما في الخارج..؟!
يذهب البعض من باب «تخفيف الاحتقانات» الى حصر سبب التشكيل بما درج على تسميتها بأزمة الثنائي المسيحي («القوات» و»التيار الحر») وأزمة «العقدة الدرزية، المتمثلة بتمسك وليد جنبلاط بحصرية تمثيل الطائفة الدرزية بـ»الاشتراكي»، من دون أي شريك آخر.. لكن، وإذ يؤكد عديدون على دور أفرقاء الداخل في تعثر ولادة الحكومة، فإنهم في الوقت عينه، لا يفصلون بين الداخل والخارج، الاقليمي والدولي، حيث لم يعد أمراً مستغرباً تمدد المحاور الدولية – الاقليمية الى الداخل اللبناني، ذلك ان لا تأثير لهذا الخارج، إن لم تكن له امتدادات داخلية، ولا قوة مؤثرة لاطراف الداخل من غير سند ودعم خارجي، وعلى كل المستويات..
اللافت، ان جولات الاتصالات الاخيرة، التي قام بها الرئيس المكلف سعد الحريري على خط ازالة او فكفكة العقد من طريق ولادة الحكومة، واستهلها بزيارة عين التينة وطلب مساعدة الرئيس نبيه بري، كما ولقائه الوزير جبران باسيل، ثم سمير جعجع فتيمور جنبلاط في «بيت الوسط»، انتهت الى «صفر نتائج» على ما يظهر، والى تبخر كل أجواء التفاؤل التي سادت في أسابيع سابقة، لتحل محلها أجواء من التشاؤم وصلت الى حد جزم عديدين على «ان لا حكومة في لبنان» في المدى المنظور، بانتظار صدور قرار «المحكمة الدولية» في ايلول المقبل، كما وبانتظار ما سترسو عليه التطورات في سوريا، تحديداً..
لم يعد خافيا على أحد، ان لبنان لم يكن يوماً، ولن يكون، ولاعتبارات عديدة جيوسياسية، بعيداً عما يجري في المحيط الاقليمي – القريب قبل البعيد، وهو يمر في حالة سياسية واقتصادية واجتماعية حرجة للغاية تعززت بفعل سياسات وسلوكيات الافرقاء اللبنانيين القائمة على قواعد المحاصصات والمناكفات السياسية والطائفية والمذهبية، وقد بات هذا البلد في عين الأزمة، والجميع أمام مسؤوليات كبيرة، حيث لبنان أمام أشهر حرجة للغاية يفترض ان يتعامل معها المعنيون كافة بكثير من الحكمة والمسؤولية لتقطيع هذه المرحلة الضاغطة..
قد يكون من باب «المثالية» – التي تمثل بها الرئيس المكلف سعد الحريري وحكمته واعتداله – اصراره وتمسكه بتشكيل حكومة وحدة وطنية يتمثل بها كل الافرقاء السياسيين الأساسيين في البلد، وهو لا يريد ان يدخل او يدخل الحكومة، او يدخل لبنان في مشاريع، خصوصاً وأن أوضاع المنطقة مازالت معقدة، اضافة الى ضغوطات الوضع الاقتصادي التي تحتم مشاركة الجميع في مواجهة التحديات وتشكيل جبهة أمان داخلية في مواجهة أية تطورات خارجية تعيد القبض على القرار السياسي والوطني والأمني وغير ذلك في لبنان..
من اسف، ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، نأى بنفسه عن أي دور مؤثر وفاعل على خط التأليف، وهو رمى كرة المسؤولية في ملعب الرئيس المكلف، كما وان رئيس مجلس النواب نبيه بري، لم يصل في وعوده دعم ومساندة الحريري الى حد يتجاوز «التقليدي».. خصوصاً وأن المواقف الاخيرة الصادرة عن الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله، ومن بعده الرئيس بري والتي اعتبرت ان لا مفر من تطبيع العلاقات ومن انعاش التنسيق بين بيروت ودمشق، واصفة كلام الرئيس الحريري في هذا الخصوص بـ»اللاواقعي» أفرزت المزيد من تراجع نسبة التفاؤل التي سادت خلال الاسبوع قبل الماضي، معززة بما ستؤول اليه، في الثالث من ايلول المقبل، جلسات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بشأن اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
ليس من شك في أن إعادة ضخ الدعم السعودي لرئاسة الحكومة عن طريق «المكرمة» التي خص بها آلاف اللبنانيين الراغبين بأداء فريضة الحج، لم تأتِ من فراغ، وهي أكدت عمق الروابط التاريخية التي تجمع بين لبنان والمملكة.. وقد توقف عديدون عند اللقاء الاخير الذي جمع في «بيت الوسط» بين الرئيس الحريري والقائم بالأعمال السعودي في لبنان وليد النجاري، ووصفه الأخير بأنه «لقاء رائع جداً..» ورأوا فيه بداية مرحلة جديدة في العلاقات لا بد وأن تتمثل في اداء الحكومة العتيدة، على رغم ما قد يواجه ذلك من صعوبات ان لم تكن مقترنة بشيء من تطبيع العلاقات مع سورية، الذي يراه عديدون «سابق لأوانه».. لاسيما وأن عديدين فصلوا بين «التطبيع» وتصريف المنتوجات اللبنانية عبر معبر «نصيب» كما وبين عودة النازحين السوريين الآمنة والطوعية الى بلدهم..
التأليف في اجازة.. ومن السابق لأوانه الحكم على ما ستؤول اليه مواقف الافرقاء كافة في المدى المنظور، لاسيما وأن الجميع – أقله حتى اليوم – في غير وارد الذهاب باتجاه تسوية هي لن تكون بعيدة عن تسوية اقليمية – دولية.. مع تأكيد ان الرئيس الحريري في غير وارد الاعتذار، او الذهاب الى حكومة أكثرية، او حكومة تكنوقراط.. وهو متمسك بخيار الرغبة الجامحة للخروج بلبنان من المأزق الوطني الذي يعيشه لبنان كمقدمة لتحقيق أوسع حالة تضامنية تخترق القوى والاحزاب والتيارات والطوائف والمذاهب حفاظاً على الأمن الوطني ودرءاً للمخاطر المترتبة عن حالة التشرذم والانقسام؟!