Site icon IMLebanon

من اربعينية الصدر إلى صراعات الداخل..  

 

يوم صدري بامتياز.. أربعون عاماً مضى على تغييب سماحة الامام موسى الصدر ورفيقيه محمد يعقوب وعباس بدر الدين.. وقد كنت آخر من إلتقى سماحته في »الجماهيرية الليبية« في الحادي والثلاثين من آب 1978، حيث كانت غرفته في فندق الشاطىء محاذية لغرفتي، وقد تناولنا آخر إفطار رمضاني سوياً في مطعم مجاور للفندق، على أمل ان نذهب سوياً لحضور احتفال »الفاتح من سبتمبر« وقد كان الحزن يغطي وجهه.. فلم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم، سوى أنه قال لي حين سألته »هل ستحضر احتفال »الفاتح«: »فأجابني بصوت خافت قائلاً: »آمل« (التفاصيل نشرت سابقاً في »الشرق«) لكنه لم يحضر فغاب ولازالت غيبة طويلة..«.

 

يصعب، بل يستحيل ايجاز الامام المغيب بكلمات او بسطور، او بصفحات والتاريخ وحده سينصفه ويحرره مما يحاول البعض حصره في خانة مذهبية معينة او بيئة جغرافية محددة لم يكن يريدها او يتطلع اليها، وهو الذي تطلع الى احداث نهضة وطنية شاملة تنقل لبنان من الفوضى والبلبلة التي عاشها ويعيشها على مدى سنوات طويلة، الى الوضوح والثبات واليقين والولاء الوطني الجامع، من دون ان يعني ذلك التخلي عن حقوق الافراد في ان يمارسوا طقوسهم الدينية على ما ورثوها عن ابائهم وأجدادهم؟! ولبنان اليوم، يتخبط في أزمة، بالغة التعقيد، قد يكون من بين أسبابها محاولات العودة به الى ما قبل الطائف، الذي لم يطبق بكامل بنوده بعد.. وحتى العودة به الى عهد الانتداب الفرنسي.. وعزله عن سائر محيطه الذي يتشارك وإياه وحدة الحياة ووحدة المصير..

ليس من شك في ان لبنان يمر بأزمة بالغة التعقيد وقد تكون مفصلية، وهي ليست جديدة على هذا الكيان، الذي ما ان يخرج من أزمة حتى يقع في أخرى، والكل يتساءل أهي أزمات داخلية بحتة؟ أم أنها أزمات خارجية تحط بتداعياتها على لبنان، حيث الافرقاء اللبنانيون، في غالبيتهم الساحقة نسجوا علاقات وتحالفات مع الخارج الدولي والاقليمي، كل حسب مصالحه ورؤاه الحاضرة والمستقبلية، ليدفع لبنان واللبنانيون، الثمن في »صراع لاناقة لهم فيه ولاجمل«؟! على رغم الاتفاق على ان لبنان ليس جزيرة منعزلة عن محيطه، وهو، وان كان له من عدو، فهو »إسرائيل« إذ ليس للبنانيين، كل اللبنانيين، من عدد يقاتلهم في دينهم وحقهم ووطنهم إلا هذا الكيان الاسرائيلي – الصهيوني..

يتوقف المراقبون والمتابعون، من الخارج، كما ومن الداخل، أمام التطورات الدولية – الاقليمية، التي أخذت في الأسابيع القليلة الماضية ابعاداً تهدد بحرب كونية على الاراضي السورية، انطلاقاً من محافظة أدلب، بين الاميركيين والاسرائيليين وحلفائهم الاوروبيين من جهة، وبين الروس وحلفائهم، الايرانيين تحديداً، من جهة ثانية.. وقد تعددت السيناريوات في ذلك، وكلها تجمع على ان لبنان لن يكون بمنأى عن تداعيات ما يمكن أن يحصل وما يمكن ان تؤول اليه   أية مواجهة؟! وهو عاجز، عن سابق اصرار وتصميم، عن انجاز تأليف حكومة وفاق وطني جديدة، تقيه شرور تداعيات ما يمكن ان يحصل، وتعيد ترميم واقع الدولة التي لم تعد تحمل من مفهوم الدولة ودورها ومعناها سوى الاسم، والاسم فقط.. واللبنانيون، في غالبيتهم الساحقة يئنون ويصرخون، ويلعنون الساعة.. وكل فريق متمسك »بخياراته« و»قناعاته«، وهو ان أقدم على خطوة قد تساعد في تسهيل ولادة الحكومة، يطلب الركوع أمامه والسجود شكراً وحمداً وطاعة، والتوقيع على شيكات بلا رصيد..؟!

يوماً بعد يوم يختلق أفرقاء في الداخل أسباباً تحول دون ان تبصر الحكومة العتيدة النور.. وكل ذلك سابق لأوانه، خصوصاً وان هذا البلد لا يمكن ان يكون جزيرة منعزلة عن محيطه العربي، حيث دورة الحياة الاقتصادية والاجتماعية واحدة، والعدو واحد، والمصير واحد..؟!

من غير الموضوعية، حصر تأخير ولادة الحكومة اللبنانية، بالخارج الدولي والاقليمي، تماماً كما من غير الموضوعية حصر ذلك بأسباب داخلية.. فالعوامل الخارجية والاسباب الداخلية باتت متداخلة الى حد يصعب معها فك الواحدة من الأخرى بسهولة، او من دون أثمان.. ومع دخول التأليف شهره الرابع، فلا جديد واضحاً بعد، والمعطيات المتوافرة، تنقلب بين تفاؤل نسبي، وتشاؤم نسبي، والانظار تتجه الى ما سيحمله الرئيس المكلف سعد الحريري في جيبه الى القصر الجمهوري لاطلاع الرئيس العماد ميشال عون على صيغة (او مسودة) الحكومة التي وصل اليها..

الحديث عن »وحدة المعايير« بات وراءنا.. ولبنان مدعو لمراجعة نقدية.. والاقتناع بأنه كيان مستهدف في وحدته وتركيبته ودوره، خصوصاً بعد إنجازه سلسلة انتصارات على »الارهاب« الذي تسلل عبر العديد من المعابر.. وها هو اليوم يعيش أزمة اقتصادية – مالية – اجتماعية – معيشية، بل ووطنية غير مسبوقة على هذا القدر.. وقد كانت كلمة الرئيس بري في ذكرى تغييب الصدر، أمس، رسالة الى كل من يعنيهم الأمر، خلاصتها »ان اتقو الله يا كل هؤلاء..« فإذا كانت الطائفية والمذهبية »قدراً« لا حول لنا عليه ولا قوة، فلقد حمل لنا هذا القدر، على امتداد الحقبات التاريخية ما يكفي من الويلات والكوارث حفرت في ماضينا وحاضرنا حروبا وصراعات وندوبا وتهجيراً وجعلت من اللبنانيين قطعانا تنفسهم عاموديا في هيكل الطائفية حيث تقدم القرابين الحيّة لزعماء الطوائف والمذاهب كلما اشتاق هؤلاء (واولياؤهم) الى رائحة الدم..؟!