خلافاً لما كان يسوّق له البعض في الداخل اللبناني، كما في الخارج، فإن «حزب الله» لم يتمكن من الحصول على غالبية مقاعد في المجلس النيابي تمكنه من القبض على قرارات الدولة، خصوصاً وان تحالفه مع حركة «أمل» برئاسة الرئيس نبيه بري، لم يقم على قاعدة الحاقها به وربط القرارات بمرجعية واحدة، فبقيت «أمل»، وان تمسكت بتحالفها المتين مع الحزب، ذات شخصية مستقلة وغير تابعة، على رغم التقاطع في العديد من المصالح.. ناهيك عن تمسكِ الرئاسات الثلاث بالاجماع الوطني في أي قرار سيادي.
ما يجمع بين «أمل» و»حزب الله» أكثر كثيراً مما يفرق بينهما، أقله في هذه المرحلة، حيث تتراكم تحديات الخارج المشفوعة بتهديدات قد تتجاوز حدود ما يتصوره عديدون، ولبنان لن يكون بمنأى عنها، بل على العكس من ذلك فهو في صلبها، لجملة أسباب من بينها الدور الاستثنائي لـ»حزب الله» في المنطقة وفي المواجهة مع الكيان الاسرائيلي، وما يحكى عن قدرات عسكرية كبيرة قد تكون في صلب أية مواجهة أميركية – إسرائيلية مع ايران حيث يعتبر كثيرون، ان للحزب دوراً في مثل هكذا مواجهة، وأنه القرار في ذلك يعود للقيادة الايرانية، لا للدولة اللبنانية، ولا حتى للحزب نفسه؟!
الواضح حتى الآن، ان الافرقاء اللبنانيين عموماً متفقون على النأي بلبنان عن تطورات الخارج الدولية والاقليمية وهم يواكبون بحذر، بل بقلق شديد تداعيات قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب بشأن «الاتفاق النووي» الذي أبرمته الدول الست الدائمة العضوية في مجلس الأمن، زائد المانيا مع ايران.. ومن رصد المواقف، يتبدى ان الادارة الاميركية، لم تعر اهتماماً لمصالح وحقوق شركائها، خصوصاً الاوروبيين منهم، حيث برز الى العيان، أن العديد من الدول الاوروبية (وتحديداً فرنسا وبريطانيا والمانيا وايطاليا) في وضع لا تحسد عليه، وقد بات لهذه الدول مصالح حيوية اقتصادية مع ايران منذ توقيع «اتفاق فيينا» في تموز من العام 2015.
الجميع مستنفر، والجميع قلق على الامن والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط، ما يعني ان لبنان سيكون في صلب أي حدث قد يطرأ، لاسيما وأن البعض في الخارج ينظر الى السياسة اللبنانية، أو الي الافرقاء السياسيين، على أنهم يعتمدون «سياسة غب الطلب الخارجي..»؟! على رغم ان الخريطة السياسية للتحالفات النيابية لم تتبلور نهائياً، وبصورة كاملة بعد.. ولم يظهر في التداول من المواقف ما يشير الى ان هناك مناخاً داخلياً يتجاوب مع هذه التحديات..
يجزم خبراء ومتابعون ان الرئيس الاميركي ترامب لن يتراجع عن قراره وأن الضغوط الاميركية المتوقعة سترتفع، على رغم ادراك الجميع «ان المستفيد الأول من هذه الاجراءات لن تكون الولايات المتحدة، وستكون روسيا والصين الرابح الأكبر وان الضغوط الاميركية المتزايدة سترفع درجة الاحتقان المرتفعة أصلاً، وقد ازدادت المواجهات المحدودة والمتبادلة بين «إسرائيل» وايران في سوريا.. على ما ظهر في اليومين الماضيين.
ينتظر الجميع الأيام القليلة المقبلة، وما يمكن ان تؤول اليه نتائج الانتخابات من اصطفافات، خصوصاً وأن التحالفات النيابية جاءت ملغمة في جزء كبير منها بخيارات سياسية غير متآلفة في العمق، حيث يعيد البعض ذلك الى تنوع «الديموغرافيا السياسية والبشرية» في الكيان اللبناني، مشفوعة بالعديد من التجارب السابقة التي تدفع الى «العد الى المليون» قبل الاقدام على أي خطوة.
«التسريبات»، لم تعد تسريبات، وقد ظهرت الى العلن، مواقف واضحة خلاصتها، التوافق بين الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري، على لائحة من البنود من بينها التجديد للرئيس بري في رئاسة مجلس النواب، كما وللرئيس الحريري على رأس مجلس الوزراء». بصرف النظر عما يحكى ويقال عن احتمال إطالة أمد الاستشارات النيابية، بسبب اصرار البعض (خصوصاً الرئيس بري) على الاحتفاظ بحقيبة المالية في الحكومة الجديدة.. كما والاتفاق بعد انجاز تأليف الحكومة، على الدعوة الى «حوار وطني لاستكمال الطائف (وما يمكن ان يحمله هذا البند من التباسات تتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية) ووضع استراتيجية دفاعية تنظم الدفاع عن الوطن وتحفظ سيادته وسلامة أراضيه.. على رغم محاولات البعض، التقليل من أهمية الحوار هذا، استناداً الى سابقة حوار العام 2006 برعاية الرئيس نبيه بري..».
ليس من شك في ان أجواء العام 2006 ليست كأجواء العام 2018، وقد أدرك «حزب الله» – المتمسك «بولائه الشرعي» للقيادة الايرانية – ان أية مغامرة غير محسوبة النتائج، ستنعكس سلباً عليه، لاسيما في بيئته الشعبية نفسها، وقد أعلن الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله في «خطاب النصر» ان تركيب المجلس النيابي الجديد «يشكل ضمانة وقوة كبيرة لحماية المعادلة الذهبية، الجيش والشعب والمقاومة.. في الظروف والأوضاع الحالية في المنطقة..».
يسلم الرؤساء الثلاثة، عون وبري والحريري بأن حل مسألة سلاح «حزب الله»، الذي سيكون بنداً أساسياً على طاولة الحوار، وفي الاستراتيجيا الدفاعية، يرتبط الى حد كبير وبعيد جداً بواقع اقليمي وتطورات خارجية.. والقصف الاسرائيلي المتجدد لمواقع ايرانية داخل سوريا، ينذر باحتمال ان لا يكون لبنان بعيداً، على رغم اعلان لبنان الرسمي «النأي بالنفس» بموافقة أطياف الحكومة كافة.. ولم يظهر «حزب الله» أقله حتى اليوم، أي استعداد او قابلية لخرق التهدئة في لبنان، وعلى جميع المستويات، وقد دلت الاشكالات الامنية الاخيرة المنتقلة في شوارع العاصمة بيروت وفي غير منطقة مدى الاحراج الذي أطال الحزب، الذي بادر الى اصدار بيان نفى فيه أية علاقة له بالتحركات والمواكب الجوالة التي تحمل علم الحزب.. داعياً القوى الامنية وسائر الاجهزة المعنية الي «تحمل مسؤولياتها كاملة حفاظاً على الاستقرار وكرامات الناس وحقوقهم..».