بطريقة سريعة جداً، شعر المواطنون بضغوط مالية ونقدية خانقة، أكثر بكثير ممّا كانوا يشعرون به في بداية الأزمة، فلماذا تفاقمت هذه الضغوط، وتدهورت القدرة الشرائية؟
نُذكّر أنه عندما بدأت الأزمة في العام 2019، لُقّبت، بحسب مرصد البنك الدولي، بأكبر أزمة مالية ونقدية في تاريخ العالم، ولا مثيل لها، وأيضاً سُمّيت بالأزمة المتعمّدة، فبعد الصدمة، الكل كان يأمل في أنّ ودائعهم ستُسترجع من بعد العاصفة، لكن العواصف تراكمت. وعندما كُشفت بعض الغيوم، أدرك المواطنون بأسف أن أموالهم صُرفت وهُدرت من الدولة اللبنانية، ولن يسترجعوا سوى نِسَب بخسة منها على المدى الطويل.
لكن أيضاً في بدء الأزمة، كانوا قد بدأوا ينالون ألف دولار كاش على كل حساب، ومن ثم انخفضت إلى الـ 500، فـ 250 دولاراً، بحسب تعاميم 151، و158 و161 وغيرها، لكن كانت القيمة الشرائية لهذه الدولارات تساوي أضعافاً ما هي عليه اليوم. فمع مرور الوقت، توقفت السحوبات بالدولار، إلاّ الذين يستفيدون من تعميم 158، لكن في الوقت عينه إزدادت الكلفة المعيشية، بأكثر من 20-30%، أي بأكثر مما كانت عليه وقت اندلاع الأزمة في العام 2019.
فسببُ هذا التضخّم الداخلي هو زيادة كل تكاليف الإنتاج، وزيادة تكاليف النقل والتأمين، تتويجاً بزيادة كل الضرائب المباشرة وغير المباشرة، بحسب الموازنة المُقرّة.
أما إقليمياً، فاندلاع حرب غزة وجرُّها إلى البحر الأحمر، قد أوصَل إلى تضخّم إقليمي كارثي، وجرّ المنطقة إلى إقتصاد الحرب، وإرتفاع كل التكاليف، المباشرة وغير المباشرة.
أما على الصعيد الدولي، فتفاقمت الحرب بين روسيا وأوكرانيا، واشتدّت الخلافات بين الصين وتايوان، مع تدخلات أميركية، واشتدّت المنافسة بين العملات، وخصوصاً بين الدولار واليوهان، والعملات المشفّرة الجديدة، التي زادت التضخّم الدولي.
فالإقتصاد اللبناني بدأ يدفع ثمناً باهظاً جرّاء أزمته الداخلية، وانحدر الناتج المحلي من 55 مليار دولار إلى نحو 20 ملياراً. تزامناً، إزدادت كل تكاليف الإنتاج ولا سيما التكاليف المعيشية بأكثر من 20-30% جرّاء التضخّم المحلي، الإقليمي والدولي.
أما على صعيد مداخيل القطاع الخاص اللبناني، أكانت بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأميركي القديم، ففقدت أكثر من 85% من قيمتها، وحتى من بعد الزيادات والتعديلات، لن توازي أكثر من 30 إلى 50% عمّا كانت عليه ما قبل الأزمة في العام 2019.
في المحصّلة، مقارنة بين عامي 2019 و2024، فقد زادت الكلفة المعيشية على المواطنين بأكثر من 20-30%، وتدهورت مداخيلهم بنحو ما بين 50% إلى 70%، وتقلّصت ودائعهم وتلاشت بأكثر من 85%، وتدهور الناتج المحلي بأكثر من 60%. هذه المعايير الجديدة هي لمحاولة العيش أو التعايش، في ظل كل الضغوط الداخلية، الإقليمية والدولية. هذا هو التفسير المُحزن والمقلق، حول كيف ازدادت التكاليف، وتدهور المدخول، ولن يستطيع جزء كبير من اللبنانيين تلبية أدنى متطلباتهم المعيشية والإنسانية. فاغتنى المُهرّب والمروّج وتاجر العملات والفاسد، وافتقر العامل المجدي، والريادي، والمستثمر الشفّاف.