أفضى الخلاف السياسي بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري بسبب أزمة ضبّاط دورة 1994 إلى أزمة شغور في المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي، التي فقد مجلس القيادة فيها نصابه مع وجود 4 ضبّاط مُعيّنين بالوكالة، ما يعني استحالة صدور مراسيم ترقية ضباط وعسكريي قوى الأمن في نهاية هذا العام
تبدو المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي عالقة في دوّامة الشغور. أزمة ضباط دورة 1994 العالقة منذ 3 سنوات لا تزال تكبر وترمي بثقلها على المديريّة. للدلالة على فداحة الأزمة، تكفي الإشارة إلى أن هناك اليوم 14 عميداً فقط في مقابل أكثر من 200 عقيد من المفترض أن يُرقّى ثلثهم على الأقل إلى رتبة عميد.
كما أنّ التشكيلات الأمنيّة بالأصالة متوقّفة فعلياً منذ أكثر من سنة ونصف سنة بسبب الكباش الذي حدث بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري. وبالتالي، فإنّ كل تشكيلات قيادة الوحدات التي قام بها المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان خلال هذه الفترة كانت بموجب أمر فصل كـ«مساعد أول» (قائد وحدة بالوكالة). وهو حل ابتدعه عثمان لمعالجة مشكلة عدم وجود امكانية لاصدار مراسيم تكليف بالأصالة تستوجب توقيع رئيسَي الجمهورية والحكومة ووزيرَي الداخليّة والماليّة، لعلمه بأن عون لن يوقّع مراسيم التشكيلات، متذرّعاً بأنّها لم تصل إلى بعبدا. فيما يُدرك الجميع أن التيار الوطني الحر كان يريد ردّ الصاع صاعين لبري بعدما وقّع وزير المالية عام 2020 كل مراسيم ترقية الضباط باستثناء ضباط دورة الـ 1994 في الجيش، فرفض عون توقيع الترقيات المجتزأة، وأهمل «ورقة» تعيينات مجلس القيادة في قوى الأمن الداخلي. وزاد الطين بلّة تعيين العقيد جان عواد قائداً للقوى السيّارة خلافاً لرغبة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي كان يريد قائد منطقة جبل لبنان العقيد جهاد الأسمر لهذا الموقع، رغم أنّ عثمان حاول «مسايرة» باسيل بتعيين عقيدين محسوبين عليه في منصبَي المفتش العام (فادي صليبا) ورئيس وحدة الخدمات الاجتماعيّة (فرانسوا رشوان) ضارباً عرض الحائط بالتراتبيّة العسكريّة، ما أدّى إلى «تطيير» عدد من الضباط الأعلى منهما رتبةً.
ad
رويداً رويداً، تفشّت الخلافات السياسيّة داخل المديريّة حتّى صارت اليوم أكبر منها. ومع استحالة قيامه بالتعيين بالأصالة، قرّر عثمان استخدام صلاحياته بالتعيين بالوكالة. بدأ الأمر مع تعيين العقيد أحمد عبلا قائداً لشرطة بيروت، ثم عواد قائداً للقوى السيّارة والعميد حسين خشفة قائداً لقسم المباحث الجنائية الإقليمية، وآخرها قبل أسبوع تعيين العقيد زياد قائد بيه قائداً للشرطة القضائيّة.
هذه التعيينات يقول مقرّبون من عثمان إن هدفها تسيير المرفق العام مع استحالة التعيين بالأصالة. ومع ذلك، فإن أول تداعيات التعيينات بالوكالة ظهر بفقدان مجلس القيادة نصابه، علماً أن قراراته تُتّخذ بالإجماع أو بأكثريّة 8 أصوات على الأقل، فيما لا تُحسب أصوات الضباط الأربعة المُعيّنين بالوكالة، ما يعني تعطيلاً فعلياً للمجلس. وبحسب المادتين 6 و18 من القانون الرقم 17 الذي يُعنى بتنظيم قوى الأمن الداخلي، فإنّ مجلس القيادة مرتبط مباشرةً بوزير الداخلية ويتألف من: المدير العام رئيساً، المفتش العام، رئيس هيئة الأركان، رئيس الإدارة المركزية، رئيس إدارة الخدمات الاجتماعيّة، قائد الدرك الإقليمي، قائد القوى السيّارة، قائد شرطة بيروت، قائد الشرطة القضائية، قائد جهاز أمن السفارات والإدارات والمؤسسات، رئيس معهد الدروس القضائية.
وليست هذه المرة الأولى التي تبقى فيها المديرية من دون مجلس قيادة. حدث ذلك أكثر من مرة، آخرها عام 2013 مع إحالة رئيس الإدارة المركزية العميد محمد قاسم على التقاعد ثم المدير العام اللواء أشرف ريفي بعد رفض الحكومة التمديد له وإعلان استقالتها. ولكنها المرّة الأولى التي يصعب فيها إيجاد الحل المناسب للأزمة التي تزداد تعقيداً مع عدم إمكانيّة إصدار المراسيم في ظل الفراغ الرئاسي.
وإذا كانت بعض الصلاحيات الممنوحة للمجلس تذهب مباشرةً إلى المدير العام، ما يُريحه في إمكانية التصرّف في بعض القرارات، إلا أنّ الأمر يبقى محدوداً. إذ إنّ من بين المهام الكثيرة الموكلة للمجلس: اقتراح منح درجة الاقدمية الاستثنائية للضباط من رتبة مقدم وما دون، الموافقة على تسريح الأفراد والرتباء لأسباب قاهرة، تعيين مراكز نقل الضباط غير المفتش العام وقادة الوحدات، وضع جداول ترقية الضباط لرتبة عقيد وما دون، ووضع جداول ترقية الأفراد والرتباء. وعليه، فإن افتقاد المجلس نصابه يعني أن لا إمكانيّة نهائياً لترقية ضباط وعسكريي قوى الأمن في نهاية هذا العام، كما درجت العادة.
فعلياً، لا حل لهذه الأزمة. مع ذلك، يُحاول بعض المسؤولين في المديريّة الخروج بحلول، من بينها دعوة مجلس القيادة إلى الانعقاد للتصويت على مراسيم الترقية بطريقة «الأمر الواقع»، أي احتساب أصوات الضبّاط الـ 4 المُعينين بالوكالة وكأنهم أعضاء فعليون في المجلس. ورغم أن هذا الأمر يجعل الترقيات غير قانونيّة، ترى المديريّة أنّها بذلك ترتكب «أقل المعاصي» باعتبار أن عدم صدور الترقيات سينعكس سلباً على معنويّات الضبّاط الذين يُعانون أصلاً من جراء الأزمة الاقتصادية وتآكل رواتبهم.
في المقابل، فإن عدم وجود مجلس قيادة ينعكس بصورة إيجابية بالنسبة إلى المديريّة في ما يتعلق بتسريح الأفراد والرتباء لأسباب قاهرة (ليس التسريح الحكمي بعد بلوغهم السن القانونية) الذين أُرجئ تسريحهم لمدّة 3 سنوات ستكون قابلة للتجديد حُكماً مع نهاية هذا العام لعدم إمكانيّة مجلس القيادة أخذ القرار بتسريحهم، وخصوصاً مع عدم فتح باب التطوّع منذ عام 2015 وقلّة الراغبين في التطوّع بعد الأزمة الاقتصاديّة.