IMLebanon

قوى الأمن الداخلي «تفتك» بحق التظاهر وحرية التعبير

في الوقت الذي كانت القوى الأمنية فيه «تغرّد» من فرنسا متغنية باحترامها حرية الرأي والتعبير، عبر الموقع الرسمي لقوى الأمن الداخلي على «تويتر»، كانت وقائع «العنف» الذي مارسته ضد المشاركين والمشاركات في حركة الاحتجاجات السلمية تضيف فصولاً جديدة إلى سجّلها الأسود. لم تفرط باستخدام العنف فقط وتنفّذ الاعتقالات المقررة سلفاً والعشوائية، بل سحلت أشخاصاً في الشوارع وأمام الكاميرات وتعرّضت لأشخاص بالشتائم والمسّ بالكرامة

عند أحد الحواجز الحديدية، يهمس أحد عناصر قوى مكافحة الشغب ويقول: «نحنا معكن، بدنا السلسلة وبدنا عيشة منيح»، تسأله متظاهرة: «ولماذا هذا العنف الموجه ضدنا إذاً؟»، لا يتردد العنصر بالقول: «عم بسبوا امنا، طبيعي نعصّب». جملة تذكّر بآخر خطاب ألقاه وزير الداخلية نهاد المشنوق خلال مؤتمر إعلان نتائج التحقيقات المتعلّقة بمحاسبة المتورطين باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين في 22 آب الماضي.

أكثر من 40 متظاهراً ومتظاهرة اعتُقلوا أمس بطريقة وحشية. بدت المهمّة واضحة: اضربوا واسحلوا واشتموا واعتقلوا… كي يخاف الناس من النزول إلى ساحات الاعتراض والمواجهة. يروي عدد من المتظاهرين وقائع مثيرة: «كان عناصر قوى الأمن الداخلي، ولا سيما المتسترون بلباسهم المدني خلافاً للقوانين والأنظمة، يبحثون عن الناشطين والناشطات ممن لديهم أدوار في التنظيم والتعبئة… انقضوا عليهم وعنّفوهم وأساؤوا إليهم واعتقلوهم… استخدموا العنف ضد الصحافيين والإعلاميين والمصورين لإبعادهم. عمدوا إلى سرقة الكاميرات والهواتف من العابرين… لم تكن قوى الأمن الداخلي تمثل أمس سوى هراوة السلطة».

القسم الأكبر من المعتقلين (نحو 32 متظاهراً)، نُقلوا إلى ثكنة الحلو، فيما توزع البقية على مخافر الرملة البيضا والأشرفية وطريق الشام وكورنيش النهر والجمّيزة. المخفر الأخير كان «مأوى» المتظاهرات الستّ، اللواتي نلن نصيبهن من القمع والضرب والإهانة من قبل عناصر مكافحة الشغب «الذكور والإناث»، قبل اقتيادهن إلى ثكنة الحلو ثم تحويلهنّ إلى مخفر الجميزة.

«خلّوا البنات يجوا يشيلوها»، صرخ أحد عناصر القوى الأمنية لزميلته، بعدما عجز عن سحب مايا أرناؤوط الجالسة على الأرض دفاعاً عن صديقها الذي كان يُشبَع «خبيط». تروي أرناؤوط كيف أن قوى مكافحة الشغب رمتها أرضاً وانهالت على صديقها بالضرب. «للأمانة، لم يجرِ التعرّض لنا أثناء التحقيقات، إذ يبدو أن الدولة تفرز الأوادم داخل الثكنات فيما تُفلت الزعران خارجها».

شهادة أرناؤوط تلتقي وشهادة نضال أيوب، التي اقتيدت من شعرها وتعرّضت للكثير من السباب والشتائم من قبل «الدركيات». السبب، وفق ما تروي أيوب، هو صراخها على عنصر كان يقوم بضرب صديقها إيلي كلداني على رأسه، «كانو عم يحوكموا مجموعات ع شخص واحد، ما قدرت ما عيّط عليهن وحاول امنعن».

«قالتلي الدركية يا حيوانة عم تعوّي برا وهلق بتقلبي متل الصوص، رح تشوفي شو رح نعمل فيكي»، شهادة سارة شكر، بعد خروجها من التحقيق، كافية للدلالة على الإهانة التي تعرّضت لها.

هذه الشهادات تتناقض وبيان المديرية العامة للأمن الداخلي، الذي لفت إلى أن «عناصرها الموجودين في وسط بيروت يعملون على توقيف الأشخاص الذين يعتدون عليهم بالضرب ويحضون المتظاهرين على استعمال العنف وخرق الحواجز الأمنية».

كل قيد على حق التظاهر السلمي هو انتهاك للدستور اللبناني وللمواثيق الدولية

لم توقّع المعتقلات قبل الإفراج عنهن مساءً أيّ تعهّد يفيد بأنهن لن يثرن الشغب ثانية، باعتبار أنهن لم يقمن بالفعل ليتعهدن بعدم تكراره، وفق ما تقول المحامية نرمين السباعي.

تشير السباعي إلى أن ثكنة الحلو كانت المقر الرئيسي الذي ضم العدد الكبير من المحتجزين. لذلك نظّمت حملتا «بدنا نحاسب» و»جاي التغيير» اعتصاماً أمام الثكنة «استنكاراً للاعتداء بالضرب على المعتصمين في ساحة الشهداء من قبل القوى الأمنية»، وللمطالبة «بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين».

يقول الناشط في حملة «جايي التغيير» أيمن مروة إن وزير الداخلية نهاد المشنوق أعطى الضوء الأخضر لهذه الاعتداءات، لافتاً إلى أن هذا الضوء أتى من «الحوار الدموي المعقود في مجلس النواب»، لافتاً إلى أننا سنتحول نتيجة هذه القرارات إلى دولة بوليسية قمعية».

قرابة الساعة الثامنة مساءً، أُطلق سراح جميع الموقوفين، وفق ما تؤكد كل من السباعي والباحثة في القانون سارة الونسا. تشير الونسا إلى أن إخلاء السبيل ترافق مع سند إقامة للبعض منهم مع توقيعهم تعهّدات بأنهم لم ولن يثيروا الشغب، لافتة إلى أن الموقوفين تعرّضوا للضرب المبرّح قبل توقيفهم، «فيما قد يكون وصول المحامين إلى المراكز أسهم بالحؤول دون تعرّضهم للضرب داخل مراكز الاحتجاز».

يرى المحامي ماجد فيّاض أن كل قيد على حق التظاهر السلمي الذي لا يتخلل مسّاً أو ضرراً بالأملاك العامة هو انتهاك للدستور اللبناني وللمواثيق الدولية ولا يجوز التعدّي على حرية التنقّل والتجمّع التي تتجسّد في حق التظاهر، لافتاً إلى أن السلطات الرسمية تُخطئ إذا ما حاولت التعامل مع ظاهرة الحراك المدني بالقمع، إذ إنه سيؤدي إلى تفاقمه.

أهالي موقوفي الاحتجاجات الماضية

نفّذ أهالي المحتجزين الموقوفين خلال الاحتجاجات السابقة، أمس، اعتصاماً احتجاجياً أمام المحكمة العسكرية للمطالبة بالإفراج عن أبنائهم.

«ابني مش إرهابي، بدن يحاكموه مع الأسير!»، تصرخ والدة أحد القاصرين المحتجزين منذ حراك 22 آب الماضي، مطالبة بالإفراج عن طفلها.

يُذكر أن هناك 21 موقوفاً لدى المحكمة العسكرية، 16 منهم يتولى الدفاع عنهم لجنة المحامين المتطوّعين، وتقدّمت الأخيرة، أمس، بطلب إخلاء سبيلهم، فأخلي سبيل 9 منهم فقط، 4 منهم قاصرون، وذلك بكفالة تبلغ 200 ألف ليرة للبالغين و100 ألف ليرة للقاصرين. فيما بقي 7 محتجزين 2 منهم قاصران. تقول المحامية نرمين السباعي إن اللجنة بصدد الإعداد لطلبات إخلاء جديدة.

والتقى وفد من أهالي الموقوفين مفوض الحكومة القاضي صقر صقر، أمس، ووعد الأخير الأهالي بـ «درس ملف أبنائهم فور تسلمه طلبات إخلاء السبيل من وكلائهم اليوم (أمس)».