وصل الوضع في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي الى حد الاهتراء، لا بل الانهيار، ومن خدم في هذه المؤسسة من ضباط ورتباء وافراد يتحدث عن الفساد الذي يعشعش فيها ويعود الى عقود، حيث ظهر اثراء غير مشروع على عدد من العناصر من كل الرتب، وكان هؤلاء مدار تساؤل حول الثروة التي جنوها من مواقعهم باستغلال وظائفهم، مستظلين حمايات داخل المديرية او من مرجعيات سياسية وحزبية.
فالفضائح التي تتسرب عن الفساد في مديرية قوى الامن يفوق ما يحصل في مؤسسات الدولة الاخرى، وهي المؤسسة المؤتمنة على الامن وحفظه وتأمين حقوق المواطنين الذين يلجأون اليها لتؤمن لهم ثقتهم بجهاز يفترض فيه تنفيذ القوانين والاحكام القضائىة وملاحقة المخلين بال من مرتكبي الجرائم على انواعها فاذا به يتحول الى جهاز مشبوه بالفساد من داخله قبل الفساد الذي ينشره بعض ضباطه وافراده خارجه من نيل الرشوة على انواعها، التعامي عن مخالفات قوانين البناء الى تسهيل مرور مخدرات والسكوت عن تجارها والاتصال بهم اذا ما قامت دورية بدهم مراكزهم.
هذا قليل من كثير يتحدث عنه شرفاء في قوى الامن الداخلي من ضباط ورتباء وافراد وهم الاكثرية في هذا السلك والاقلية فاسدة استغلت ما سمي «الفوضى العارمة» في المديرية كما جاء في بيان العقوبات لهدر المال العام وسرقة حقوق المتقاعدين وعاملين في الخدمة، من مساعدات مرضية ومدرسية واجتماعية الى الرواتب والتلاعب بالدرجات اضافة الى وضع اموال صندوق الاحتياط في مصارف بفوائد متدنية عن تلك التي تدفعها المصارف عادة للمواطنين، ويكون الفارق في الفائدة لصالح ضباط ورتباء وهو ما جرى كشفه في مرحلة من المراحل كما يروي من خدم في مراكز القرار بقوى الامن الداخلي ويتحدث عن ان ما انكشف هو فضيحة كبرى، تضاف الى اخريات لها، كالمازوت وتهريب مخدرات داخل سجون رومية، والهدر الذي اصاب بناء سجن جديد في رومية بالقرب من السجن القديم، الى التواطؤ مع تجار مخدرات ومروجين، وكذلك الفساد الذي يضرب مصلحة الآليات والمركبات ومصلحة الابنية وكذلك ما يجري في المخافر من عمليات ابتزاز ورشوة.
هذا الاهتراء الموصوف بالفساد، والمغطى بـ«الفوضى العارمة»، واستغلال الوظيفة، والتداول الاعلامي حول ما وصلت اليه المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، فان وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي اطلع على ما يجري في وحدة الادارة المركزية، ليتبين واحيانا عن طريق الصدفة، ان اموالاً تهدر، وكان المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص يملك معلومات حول الموضوع، فتشاور مع الوزير المشنوق الذي امّن له الغطاء السياسي والقرار الاداري، ليفتح ملف الفساد، فتم تحريك المفتشية العامة لقوى الامن الداخلي، التي كانت الشكوى من تعطيل دورها ومهامها، لاسباب سياسية احيانا لعدم الكشف عن الفساد، واحيانا اخرى ودائمة من داخل المديرية للتستر على الفاسدين والمفسدين، وفق المطلعين على كواليس المديرية، التي اوكل مديرها اللواء بصبوص وهو المشهود له بالنزاهة ونضافة الكف، كما يؤكد من خدموا معه، او في قوى الامن، الى العميد عادل مشموشي المعروف عنه ايضا كفاءته المهنية في المراكز التي تبوأها، او للشفافية التي يتحلى بها، فعمل على هذا ملف المساعدات والرواتب الذي ظهرت فيه فضائح الفساد، والتي شكلت نكسة معنوية للعاملين في المؤسسة، وزادت من لا ثقة المواطنين فيها، حيث راجع المشنوق مراجع سياسية بما حصل، ونال دعمها بفتح الملف، لا سيما ان احد الضباط المتورطين، ينتمي الى جهة حزبية، جرى رفع الغطاء عنه.
والعدد الكبير، للمتورطين بهذه الفضيحة، وما سبقها وما قد يلحقها، لم يعد من الممكن التراجع عن وقف الاهتراء في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، وفق مصادر متابعة للملف، الذي يحاول البعض الغمز من ان فتحه من قبل الوزير المشنوق موجه الى الوزير اشرف ريفي الذي تمرد على «تيار المستقبل» وان الفترة التي قضاها مديراً عاماً لقوى الامن الداخلي هي الاكثر فساداً وستطاله الفضائح معنوياً، اذا لم يكشف ان له علاقة بما جرى، بالرغم من انه ورد في ملف تزوير فواتير المازوت ان مرافقه النقيب (م.أ) قد ورد اسمه الى جانب المقدم (أ.) الذي ما زال موقوفاً.
فالوزير المشنوق الذي حرك المفتشية العامة لكشف الفساد مع اقدام اللواء بصبوص على متابعة الموضوع، وقيام العميد مشموشي باتخاذ الاجراءات اللازمة كل هذه العناوين ادت الى اتخاذ قرار مواجهة الفساد المسؤول عنه التوزيع الطائفي والمذهبي داخل قيادة قوى الامن الداخلي، والمحسوبيات السياسية فيه، وهذا ما ادى الى الاهتراء.