IMLebanon

التجاذبات الداخلية تقف على عتبة «ربط النزاع» القائم بفعل التفاهمات السياسية

    هل يؤدِّي تبادل الزيارات الدبلوماسية إلى ترميم الجسور بين إيران والسعودية؟

    الهزات السياسية في لبنان تأخذ طابع المد والجزر بانتظار بلورة ملامح التسوية في المنطقة

مما لا شك فيه أن لبنان يعيش في هذه الفترة حالة من اللاتوازن السياسي، في ظل بعثرة في الأوراق الإقليمية والدولية ناجمة عن المتغيّرات التي تلفح المنطقة، لا سيما في تلك الدول التي يلفها اللهب والبارود.

والمستغرب أن المسؤولين في لبنان يعرفون هذا الواقع الذي هم فيه، ويعرفون كذلك ان استمراره ربما يودي بالبلد إلى شفير الهاوية، وبدل ان يتوجهوا إلى معالجة أزماتهم التي تخل بتوازناتهم الداخلية يقفون مكتوفي الأيدي بانتظار الآتي من خلف الحدود والبحار علّه يرسم لهم خارطة طريق يسيرون عليها من دون ان يكون لديهم أي علم مسبق بالخاتمة التي سيصلون إليها.

فما يجري في الداخل اللبناني من سجال وتشنجات لا يبشر بالخير، كما انه لن يغير من واقع الحال شيئاً طالما ان هناك إرادة داخلية وخارجية تعمل على عدم نسف ربط النزاع القائم بين القوى السياسية والذي فرضته التفاهمات السياسية التي عبّدت الطريق امام انتخاب رئيس الجمهورية ومن ثم تأليف الحكومة، وأخيراً وضع قانون جديد للانتخابات، من دون ان يعني ذلك ان السجالات المندلعة بين أكثر من فريق سياسي سيكون من السهل إخمادها، لا بل ان المؤشرات والمعطيات توحي بأن قابل الأيام سيحمل المزيد من الاشتباكات السياسية والجدل البيزنطي حول الكثير من الملفات المطروحة، وقد أظهر الجدل الذي حصل حول ما جرى في الجرود من عرسال إلى رأس بعلبك، عمق الخلاف المتجذر بين القوى السياسية، حيث فشلت هذه القوى في الالتقاء حتى على مواجهة المخاطر التي تتهدد لبنان.

من هنا، فإن الوضع السياسي غير الصحي الذي يسيطر على الواقع اللبناني بات يحتاج إلى معالجة فوق العادة من خلال إعادة إحياء طاولة الحوار على سبيل المثال، أو ترك الخلافات جانباً، أقله في هذه المرحلة، إلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود بالنسبة للتسوية التي يعمل عليها في المطابخ الدولية لإنهاء الأزمات المفتوحة في المنطقة.

وفي ظل هذه الأجواء السياسية السوداوية تبقى هناك نافذة أمل تكاد تكون هي الوحيدة في ليل المنطقة الحالك، وهي إمكانية إعادة ترميم الجسور المقطوعة بين إيران والمملكة العربية السعودية، بغض النظر عن التغريدة الأخيرة لوزير الدولة لشؤون الخليج العربي في وزارة الخارجية السعودية ثامر السبهان.

وفي هذا السياق، يعوّل كثيرا على الزيارات الدبلوماسية التي يفترض ان يتبادلها المسؤولون السعوديون والايرانيون والتي تزامنت مع شكر إيراني للسعودية على حسن تنظيم موسم الحج لهذا العام، وقد جاء ذلك على لسان ممثّل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي لشؤون الحج السيّد علي غازي أصغر، والدي أضاف، بحسب التلفزيون الإيراني «نحن نشكر السعودية، وبعد هذا الحج الناجح نرى انه التوقيت الجيد ليتفاوض الجانبان لتسوية مشاكلهما».

وقد توقفت أوساط سياسية عند هذا التطور في الموقف الإيراني ورأت فيه مؤشرا إيجابيا على طريق تعبيد الطريق امام امكانية فتح قنوات تواصل بين البلدين تكون بداية لحوار جدي يعالج كل القضايا الخلافية ويعيد المياه إلى مجاريها بين طهران والرياض.

وتذكر هذه الأوساط بما يكرره بهذا الشأن رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي يرى ان مشاكل كثيرة يمكن ان تحل بمجرد ترميم العلاقة بين إيران والسعودية، وهو طالما ناشد الجانبين العودة إلى لغة الحوار والتفاهم في سبيل معالجة القضايا الخلافية لأن في ذلك ارتدادات إيجابية على مجمل الوضع في المنطقة.

وبانتظار بلورة المواقف الإيرانية التي جاءت تحت عنوان الحج، فإن مصادر سياسية مراقبة لا ترى أي بوادر لتفاقم الوضع السياسي في لبنان ما دام كل فريق يعي تماماً بأنه لن يكون في استطاعته ان يغير قيد أنملة من الواقع السياسي الداخلي، فالحكومة محصنة بمظلة إقليمية ودولية يصعب على أي جهة اختراقها وإسقاطها، كما ان هناك سقفا لهذا الجدل السياسي القائم من غير المسموح على أي فريقي تخطيه، وقد أظهرت التطورات الميدانية الأخيرة في الجرود اللبنانية على السلسلة الشرقية من الحدود مع سوريا بأن هناك حرصا إقليميا ودوليا على الحفاظ على الاستقرار في لبنان، وأن هذ التوجه الدولي قد ساهم، وأن بشكل غير مباشر، في انهاء الحالة الشاذة التي كانت موجودة في هذه الجرود من قبل تنظيم «داعش» وجبهة «النصرة»، وقد ترجم ذلك بالحرص الدائم للدول الكبرى على دعم الجيش اللبناني والتنويه بالدور الذي قام به في طرد المسلحين من هذه الجرود.

وفي رأي هذه المصادر، فان الهزات السياسية ستستمر، وهي ستأخذ طابع المد والجزر بحسب حاجة كل فريق، غير ان المشهد اللبناني لن يتغيّر وهو سيبقى على حاله إلى ان تحين ساعة الصفر لإعلان التسوية التي يعمل على حياكتها في المنطقة.