IMLebanon

بوحبيب كاد أن يقول لفرايسن: “أنت شخص غير مرغوب بك”.. ولكن؟!

 

شكّلت خطوة وزير الخارجية عبد الله بوحبيب، باستدعاء ممثّل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان إيفو فرايسن، دعوةً طبيعية للبعثات الأممية الى ضرورة احترام أصول التعاطي مع المؤسسات الرسمية، فكتاب الاخير غير المألوف الى وزير الداخلية اعتراضاً على إجراءات القوى الأمنية لتنظيم الوجود السوري غير الشرعي عُدَّ من أخطر الممارسات وتجاوزاً لمضمون الإتفاقات المعقودة وتدخلاً سافراً في أبسط الحقوق السيادية. وعليهـ كيف يمكن تفسير ذلك؟

 

ليست المرة الأولى التي يستدعي فيها وزير الخارجية ديبلوماسيّاً رفيع المستوى لتنبيهه إلى مخاطر التمادي في خرق القوانين المحلية في لبنان، وتجاوز الأصول التي قالت بها المعاهدات الدولية التي تنظّم العلاقة بين البعثات الديبلوماسية والسلطات الرسمية وتتحكّم بأدائها في أي بلد كان. فلبنان، وعلى رغم من كل المصاعب والأزمات التي عاشها، حافظَ على اعلى نسبة احترام والتزام لمثل هذه المواثيق والاتفاقيات الى درجة أُثير من حولها لغط كبير قاد احياناً الى تبادل الاتهامات حول التراخي في السماح ببعض الخطوات التي شكّلت تجاوزا خطيرا لبعض المبادئ من دون محاسبة مرتكبيها.

ولا يخفى على احد من اعضاء السلك الديبلوماسي اللبناني والأجنبي انّ لبنان الذي عاش فترات متفاوتة بلغت فيها المناكفات الداخلية ذروتها، قد تحوّل بالنسبة إلى بعض الديبلوماسيين «جنة ديبلوماسية» يَتندّر بها الديبلوماسيون الأجانب قبل المحليين وخصوصاً عند انتهاء مهماتهم في لبنان او في بداياتها عند قدومهم إليه من عواصم وبلدان تطبّق في حقهم الإجراءات المشددة التي لا يمكن اخفاؤها على احد، وشكّلت قيودا قاسية حَرمتهم من «حرية الحركة» التي يتمتعون بها ويمارسونها في لبنان.

 

على هذه الخلفيات، توقفت مراجع ديبلوماسية أمام خطوة بوحبيب باستدعاء فرايسن أمس الى وزارة الخارجية والطلب منه التزام القوانين اللبنانية والاتفاقيات المعقودة مع الدولة اللبنانية، وهو الذي تمادى في الفترة الاخيرة برفض تطبيق بعضٍ منها والخروج على ما قالت به رغم حجم التنبيهات التي تلقاها بطرق مختلفة، إن كان عبر أصدقاء مشتركين من المجتمع المدني، أو عبر قنوات اخرى مختلفة. ولكنه وبدلاً من تقديم التفسيرات التي تبرّر له مثل هذه المخالفات، شَنّ في الايام الأخيرة حملة إعلامية منسقة عبر مجموعة من الاطلالات الاعلامية التلفزيونية والالكترونية توسّع فيها في تقديم التفسيرات الخاطئة للإجراءات التي اتخذتها المفوضية، وأعطاها أبعاداً قانونية دولية تجاوزَ فيها ما قالت به هذه المواثيق مُتجاهلاً التفاهمات الداخلية التي ترعى وجودها وتحكمه في لبنان.

 

وقالت هذه المراجع ان فرايسن عَبّر بطريقة «فوقية» عن وجود النية بتجاوز هذه القوانين، مُتسلحاً بما يمكن اعتباره «تغطية أممية» لتبرير تجاوزاته الى درجة تفوّق فيها على بعض المنظومات التي تجاوزت القوانين في مناطق شكلت بؤراً للخارجين عليها تحت أكثر من غطاء، الى ان تحوّل بعضها عاصياً على القوى الامنية الشرعية ومسرحاً لـ»الإدارة الذاتية» الى أن تحوّلت مرتعاً وبيئة حاضنة لهم. وهو ما لم يعد مقبولا بعدما تجاوز الوجود السوري ـ الذي تناوله بطريقة خطيرة جداً ـ ما كان يتوقعه اي انسان الى ان شكل مصدراً، ليس للقلاقِل الداخلية فحسب، وإنما بات يهدد علاقات لبنان الخارجية ايضاً.

 

وانطلاقاً من هذه المعطيات، فسّرت المراجع الديبلوماسية مضمون الرسالة التي أبلغها بوحبيب امس الى فرايسين بأرقى الخطوات الديبلوماسية الممكنة، خصوصاً لجهة الطلب اليه سحب الرسالة التي وجّهها الى وزير الداخلية مباشرة مُتجاهلاً أصول التخاطب معه عبر القنوات الديبلوماسية المتمثلة بالدوائر المعنية في وزارة الخارجية وفقاً للمواثيق الدولية، لا سيما منها «اتفاقية فيينا» التي ارتقَت بتنظيمها للحياة الديبلوماسية الى مَصاف التفاهمات الدولية المعتمدة في كل أنحاء العالم. كما انّ طلبه باعتبارها «في حكم المُلغاة» بهدف تعطيل مضمونها، وما تسبّبت به من انعكاسات سلبية شكلت «تدخلاً في الصلاحيات السيادية للبنان»، ورفضاً «للالتزام بالقوانين اللبنانية لكافة المقيمين على الأراضي اللبنانية من أفراد ومنظمات، المتوافقة أصلاً مع كافة التشريعات الدولية».

 

ولم يتجاهل بوحبيب لفت نظر فرايسن الى خطورة التمادي في الخروج على مضمون الاتفاقيات الأخرى التي عقدت بين المفوضية والمؤسسات اللبنانية منذ سنوات، لا سيما تلك التي عقدت عام 2003 مع المديرية العامة للأمن العام التي تنظّم علاقتها بالنازحين قبل أزمة النزوح السوري بمعزل عن تردداتها، خصوصاً لجهة واجبها بالعمل لتأمين «الدولة الثالثة» لأيّ نازح بعد سنة على دخوله الى لبنان لأنّ «لبنان لم يكن يوماً بلد نزوح إنما هو بلد عبور». كذلك شكّلت تنبيهاً الى انه كان على مَن سَبقَ فرايسن في تولّي مهماته ان يشرح له فشل كل المحاولات السابقة لتعديلها.

 

والى هذه الملاحظات التي يمكن تبرير بعضها وفهمها بالحد الادنى من التسامح، فإنّ ما تضمنته رسالة فرايسن إلى وزارة الداخلية شكلت منحى خطيراً في تفسيره للقوانين اللبنانية ودعوة إلى الانقلاب عليها. كذلك شكلت بعد رفضه تسليم الأمن العام تواريخ دخول النازحين الى لبنان لتصنيفهم بين نازحٍ يطلب حمايتها وآخر بهدف اقتصادي. كما ان عدم تجاوب المفوضية مع مهلة نهاية أيار الجاري لتسليمها الجزء من الداتا، سيُعدّ «تحريضاً» للمستهدفين بها لرفض تشريع وجودهم وتهديداً باحتمال حصول «خلل أمني خطير» وإساءة الى الامن بكل وجوهه القومية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد، وخروجاً على مضمون الاتفاق الذي تم تجديده مع وزارة الخارجية في آب الماضي. وهو وإن أراد فرايسن معالجة ما شَكا منه، كان عليه ان يراجع القوانين اللبنانية التي تحدد حقوق النازحين واللاجئين وما يحق لهم وما لا يحق به، وان يتفهّم انّ استخدام الآليات ومنها الدراجات النارية في عمل الشبكات والعصابات التي امتهنت السرقة والاغتيال هو عمل خطير. كما انه لم يكن عليه ان يتسلح بالمواقف التي أطلقها بعض المسؤولين اللبنانيين الذين شَكوا إقفال دوائر الميكانيك ان يتفهموا انّ نسبة تفوق الـ 80 % من الدراجات تستخدم منذ أكثر من 10 او 15 سنة وكانت فيها هذه الدوائر موجودة، ولم يلجأ اصحابها الى تشريعها وقَوننتها.

 

 

واعترفت مراجع ديبلوماسية بأنّ رسالة بوحبيب شكّلت «درسا ديبلوماسيا» يمكن اعتماده في أصول التعاطي مع الديبلوماسيين من ممثلي الدول كما المنظمات الأممية والإقليمية، وهي أقصى ما يمكن اللجوء اليه في هذه المرحلة، في انتظار التثبّت من مدى الالتزام بما قالت به، قبل الانتقال الى مرحلة أخرى يمكن من خلالها اعتبار الديبلوماسي المُخالِف «شخصاً غير مرغوب فيه»، وهي خطوة متقدمة جدا يتحاشى اللبنانيون اللجوء إليها. ولكن يجدر بالمخالفين ان يحتسبوا تلك اللحظة ان اضطرّ لبنان الى اعتمادها في حالة لا يريد أي مسؤول لبناني الوصول اليها، والتي قد تتحول خطوة اجبارية ان تجاوز المخالف «حدود الاختصاص» أسوةً بما «اتخذته دول أخرى من اجراءات في حق المفوضية لدى قيامها بتجاوزات مماثلة».