طوى تشاك هاغل الصفحة… إنتهى دورُه كوزير للدفاع، وبقيَ المشروع. المسألة ليست محصورة بتظهير صورة البديل، بل بتظهير المتغيّر. ما يسمّى التحالف الدولي قد انتهى دورُه عمَليّاً من المنظار الأميركي. أساساً شاءَته إدارة الرئيس بارك أوباما كإطار، أو «ديكور». كانت هي الآمرَ الناهي، راسمةََ الخطط، وموزّعةََ الأدوار. «الديكور» هذا، أو الإطار سيستمرّ حتى مطلع السنة المقبلة، وبعد أن تكون الخطّة البديلة قد ترسّخَت على أرض الواقع.
قوام هذه الخطة أنّ الولايات المتحدة لن تحارب نيابةً عن الآخرين، ولن ترسلَ جنودَها إلى المنطقة لمواجهة الإسلام المتطرّف «كرمى عيون» الإسلام المعتدل، ولن تفعلَ فرنسا ذلك، ولا بريطانيا، ولا أيّ دولة غربيّة مشاركة في قوات التحالف، وعلى الدوَل التي تعاني من ظاهرة الإرهاب أن تتولّى حَكّ جلدها بظفرها، وإنْ طلبَت المساعدات الإستشاريّة، او المخابراتيّة، فهي جاهزة، «غبّ الطلب»، ولكن ليس بلا مقابل، حتى إنّ الطلعات الجوّية يمكن أن تستمرّ، لكن بوتيرة مختلفة، واستناداً إلى دفتر شروط جديد.
بعض القادمين من مؤتمر دول النفط والغاز (أوبيك)، يؤكّد ذلك. كان تدنّي الأسعار، وتلبية حاجات السوق، من المحاور التي طُرحت، إلّا أنّ النقاش قد ظهَّر الكيديات. تقدَّمَت الولايات المتحدة بفاتورة الطلعات الجوّية، وآزرَتها دول التحالف على قاعدة «ما من شيء يعطى هباءً أو مجّاناً، وكلّ تحرّك يقابله بدل، ومصانع الأسلحة عليها أن تستفيد وتنتج، ومكافحة الإرهاب لا تقتصر على التنظير فقط». الهدف الثاني الذي رمَت إليه واشنطن، هو الإصرار على استمرار السياسة النفطيّة المتّبَعة لـ«تركيع» روسيا، التي تعاني من جرّاء انخفاض أسعار الغاز والنفط.
خرجَت السعوديّة منشرحةً، السياسة المتّبَعة تسيء إلى اقتصادها، لكن لديها القدرة على الاحتمال، فالمهم أن تكابد طهران ويتراجع اقتصادُها، لتعيدَ النظر في سياستها الخارجيّة المتّبَعة في عديد من دوَل الجوار.
الدول الأخرى، خصوصاً الخليجيّة منها، «بلعَت الموسى بالعَرض»، فهي من جهة متضرّرة من الهبوط الحاد في الأسعار، ومن جهة أخرى عليها المساهمة في تسديد فواتير دوَل التحالف.
في كولسات المؤتمَر، بدت الصورة أكثر وضوحاً، إنطلاقاً من أنّ الغرب حقّق ما يريده على المستوى الأمني. رسّخَ قواعد استخباراته في دوَل المنطقة بشَريّاً، وتقنيّاً، بات يملك معلومات واسعة عن التنظيمات والجماعات الأصوليّة، ووضعَ الإمكانات الضروريّة لمراقبة حركة الذهاب والإياب، والتفَت جيّداً إلى الداخل، واتّخذَ ما يكفي من القوانين الضروريّة، وأنجَز الإجراءات الفعّالة لمراقبة الوافدين إلى دوَله، والمغادرين منها.
وضعَ كلّ الجمعيات الإسلاميّة «الضيفة» تحت المراقبة، بما فيها نشاطات الجاليات، وانتهى به المطاف إلى وضع شبكة أمان قوامُها التعاون الأمني والمخابراتي بين دوَل الاتّحاد الأوروبي، والولايات المتحدة لحماية الأمن القومي، وتحصينه.
وتأتي مراقبة الأرصدة المصرفيّة وحركات التمويل، والدخول إلى الحسابات السرّية، ومراقبة حركة المصارف والمودِعين، كجزء أساسيّ من الاحتياط الأمني، وقد نجحَت وزارة الخزانة الأميركيّة في التحكّم بـ«مالية الدوَل المشبوهة في تغطية الإرهاب، أو دعمِه والإنفاق عليه»، ووضعِها تحت المجهر البشري والآلي، وتحت المعايير الأخلاقيّة والتقنيّة، والتمكّن من حصرِ منابع الدخل، و«مزاريب» الإنفاق، وحركة التحويلات، والجهات المستفيدة، حتى ولو كانت معلّبةً بألف حيلة ووسيلة من السرّية والتكتُّم.
يتحسّس لبنان خطورة هذا التلبُّك الحاصل في تعاطي الدوَل مع مكافحة الإرهاب. بعض السفراء الناشطين على الساحة يثني على بعض ما يسمعه من السياسيّين، ويؤكّد أنّ كثيرين يستشعرون حركة التغيير، ويعتقدون بأنّ الدوَل الكبرى لا تعترف بفشل الإستراتيجيات، لأنّها تقدّم البدائل فوراً، والبدائل التي تأخذ طريقها في العراق وسوريا تعتمد على تكريس سياسة المحاور وتفعيلها بين من يريد مكافحة الإسلام المتطرّف، وبين من يريد منحَ هذا الإسلام فرصةً للتعرّف إلى مشروعِه، وما إذا كان يحمل تحت جلبابه حلولاً كثيرة لملفّات كثيرة معقّدة أسهمَت عن قصد أو غير قصد في تعميم الفوضى الخلّاقة في بعض دول المنطقة، وما بينها.
نصيبُ لبنان من هذا المتغيّر أنّ أمنَه بحَدّه الأدنى تحت رقابة من المخابرات الأميركيّة الأوروبّية المتعاونة للحَدّ من الخسائر، إلى حين تأتي المتغيّرات بوقائع وحسابات مختلفة.