IMLebanon

تقاطع المصالح الدولية والإقليمية وانعكاساتها على الساحة اللبنانية

 

 

يؤكّد علم السياسة على أمر يتصِّف بالموضوعية، ألا وهو أنّ العلاقات الدولية هي عملية شديدة التعقيد وحتى التشابك، وقد تدخل ضمن مؤثراتها العديد من العوامل المادية – السياسية – الأمنية – الإقتصادية وغيرها من العوامل المؤثرة على الساحة الداخلية لدولة ما. كما يؤكّد علم السياسة على عديد من النظريات أو ما يُعرف بـ «المنظومات السياسية» للسلوك الدولي على أكثر من مسرح سياسي محلي – إقليمي – دولي، ويعتبر بالتحديد أنّ أي عملية فهم أو تحليل أو تفسير لأي سلوك دولي فاعل هو عملية غير سهلة الفهم، لما يتضمنه من متغيِّرات قد تطرأ وثؤثر على طبيعة أي معادلة يُعْمَلْ لها.

العديد من الباحثين في علم السياسة يُلاحظون أمورًا مُلتبسة في سياق درس وتحليل ما يُعرف بـ«لعبة تقاطعات المصالح «في السياسة الدولية التي تنعكِسْ حتمًا على المسرح السياسي المحلّي، وهذا ما ينتج منه في كل الأحوال تفسيرات قد تكون منطقية أو مقبولة وحتى مختزلة وإما سطحية، وفقًا لما يرشح من معلومات معينة لأي باحث. أكبر مثال على ذلك ما رشح عن المفاوضات التي رعتها الصين بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، أي الإلتقاء معًا في نقطة محدّدة يُسمع عنها مرحليًا العديد من التفسيرات تتجّه لاختزال ربما الحالة العدائية إن جاز التعبير بين الدولتين، وهي كناية عن التقاء مصالح معيّنة لكلا الطرفين.

 

مفهوم النظام الدولي بتقاطع مصالحه هو عبارة عن مجموعة من الدول الفاعلة على المسرح السياسي الدولي، تتفاعل في ما بينها وتعمل على نمط من العلاقات بين الدول الفاعلة الأساسية، وقد تطرأ تغيُّرات على نظام ما أرادوه، مرّده التغيير في الأهداف الرئيسية لهذه الدول أو نتيجة التغيّر في نمط وشكل الصراع بين مختلف الدول بطريقة الضغط على بعضها البعض. كما من المُسلمّات الأساسية إرتباط مصالح الدول الفاعلة على المسرح السياسي الدولي بموازين القوى التي يمكن أن تنشأ عبر تحالفات معينة بين دولة وأخرى، وأساس هذه الموازين «منطق القوة» أو ما يُعرف بـ«منطق البطش»، ومن الطبيعي أن يكون لها تأثيراتها ومداها وانعكاساتها في نشوء أي مصالح معينة وربما صراعات ذات أبعاد توسعية.

 

يذكر أحد الباحثين في العلوم السياسية، أنّه يصعب تقديم صورة دقيقة وكاملة عن أنواع تقاطع المصالح الدولية والإقليمية، في معرض البحث عن حدث معين، إذ يمكن القول إنّ المصالح الدولية في علاقاتها ومصالحها تتنوّع بتنوّع المصالح والمتطلبات التي تحتاج إليها الدول اللاعبة على المسرح السياسي الدولي. لذلك، يمكن تصنيف المصالح الدولية والإقليمية إلى أنواع عدّة ذات مغزى مصلحي وبحسب مضمون مصالح هذه الدول. فجميع مجالات المصالح يمكن أن تكون موضوعًا مشروعًا ويمكن أن تكون في إطار المصالح المسلّحة أو المصالح السياسية، أو المصالح الإقتصادية، أو المصالح الإجتماعية – التربوية… كل هذه الأمور تبيِّن كيف يمكن لمشاكل داخلية أو ذات طابع وطني مثلاً أن تخضع باتفاق الدول إلى تنظيم ومراقبة دوليين، وتصبح عمليًا موضوعًا للعلاقات الدولية وتقاطع مصالحها، وهذه هي من وجوه تنوّع المصالح الدولية والإقليمية.

 

إستطاعت على ما يبدو الصين، وهي عضو في مجلس الأمن وفي لحظات تاريخية معينة، الإستفادة بشكل كبير من الحرب الدائرة بين المملكة العربية السعودية ودولة اليمن في المنطقة، حيث التقت مصالح الأطراف الثلاثة في شبه إنهاء لتلك الحالة المتوترة. ففي الوقت الذي تريد فيه الصين لعب دور محوري في الشرق الأوسط، شكّلت هذه الحرب الدائرة فرصة تاريخية للصين لمحاولة إنهاء هذا الصراع ولعب دور محوري في منطقة الشرق الأوسط من هذا الباب، باعتبارها إيجاد حل وسط يُنهي هذا الصراع، وحتى محاولة فتح ثغرة في جدار مصالحها في شرق أوسط غني بالثروات الطبيعية.. وهذا الأمر يمكن أنْ يُغيِّرْ الواقع في الشرق الأوسط، من خلال البدء بتقاسم النفوذ في العديد من الدول مع المصالح الأميركية، وفي هذا السياق التقت مصالح المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية في مسألة حلّ الأزمة بينهما برعاية صينية ضمن شبكة مصالح إقتصادية واسعة مع الصين.

 

تقاطع المصالح الدولية والإقليمية وانعكاساتها على الساحة اللبنانية، أظهر على مدى السنوات الماضية العديد من الاتفاقيات، وكانت بأغلبيتها تُساق عقب أحداث دموية خطيرة نشبت بين اللبنانيين وبمساندة ربما إقليمية – دولية وبتنفيذ لبناني – لبناني، دأبت على الإستناد على مفهوم «فشل اللبنانيين في حكم أنفسهم بأنفسهم». وركزّت تلك الإتفاقيات في البداية على الآداء السياسي الضعيف لساسة لبنان، وسلّطت الضوء على نقاط ضعفها من حيث كفاءة الأشخاص وتعزيز قدراتهم الذاتية في حُكْمِ أنفسهم، وانبثق خطاب دولي – عربي، تغذّيه حماسة بعض الأطراف الداخلية اللبنانية، تَبنَّتْ مفهوم نقاط الضعف البنيوية الكامنة، والتي يمكن حلُّها على طريقة هذا الطرف، فكانت الرعاية السورية… الأمر الذي أضاف قيمة إلى هذه الرعاية الأسدية، وجرى تنفيذ إنتقائي لوثيقة الوفاق الوطني ومن ثمّ انتقلت الرعاية من السوريين إلى الإيرانيين.

 

على مدى السنوات الماضية ظهرت تعقيدات وتحدّيات جمّة واجهت اللبنانيين، المستندة على شبه إتفاقيات شابها غض نظر دولي، حيث اعتبرت أنّ الأحوال في لبنان هي محضّ داخلية، وبالتالي سُمِحَ لمن في يدهم الأمر السيطرة على مقدّرات البلاد، ضمن تسويات أتت على مراحل كانت ثنائية وبرعاية أممية على حساب السيادة الوطنية، وهناك العديد من المؤشرات في تضارب المصالح الدولية والإقليمية وانعكاساتها على الساحة اللبنانية، والتي ترتبط بعدد من الأسباب السياسية والأمنية والاقتصادية والإدارية، وتآكل النظام السياسي، الأمر الذي ينعكس سلبًا على الساحة اللبنانية.

 

إنّ المطلوب عقب المدّ الصيني وشبه التوافق السعودي – الإيراني وضع سياسة لبنانية – ركائزها قادة رأي مستقلين، بدءًا من بكركي وصولاً إلى أصغر مناضل شريف – لتعارض المصالح على الأرض اللبنانية، تهدف إلى الحدّ من المخاطر التي قد تنتج من إيجاد حلول غير منطقية، سواء أكان على صعيد الإستحقاق الرئاسي أو تشكيل الحكومة، على أن تتضمن الإجراءات المتبعة لمنع تعارض المصالح الوطنية والحدّ منها على صعيد المبادرة، باتخاذ زمام المبادرة لبنانيًا.. هل يحصل هذا الأمر أم سيبقى تقاطع المصالح الدولية والإقليمية سيّد الأمر، وسينعكس ذلك الأمر سلبًا على الساحة اللبنانية ؟!