مئات المليارات من الدولارات ضاعت هدراً… سرقة وسمسرات
بدلاً من ان يكون “اليوم العالمي لمكافحة الفساد” في 9 كانون الأول يوماً لمحاسبة الفاسدين المسؤولين عن نيل لبنان درجة 28/100 في امتحان الفساد، ما زال الجناة يسرحون ويمرحون. فعلى الرغم من روائح الفساد المنبعثة من المؤسسات بشكل عام، وإدارات الدولة بشكل خاص لم يحاسب احد بعد، ولم يتخذ أي إجراء لتحسين علامة لبنان؛ بل على العكس فان الامور تزداد سوءاً.
كلّف الفساد لبنان منذ انتهاء الحرب مبلغاً بمئات المليارات من الدولارات. إن كان من الصعب تحديد الكلفة الإجمالية بشكل دقيق، فيكفي النظر إلى النتيجة المحققة: فقدان الليرة 80 في المئة من قيمتها، دين عام بأكثر من 100 مليار دولار، ضياع 120 مليار دولار من الودائع، انخفاض الناتج المحلي من 56 مليار دولار إلى أقل من 18 ملياراً والتوقع بارتفاع عجز الموازنة إلى أكثر من 20 في المئة من الناتج المحلي. في المقابل فان 90 في المئة من الطبقة الحاكمة أصبحوا فاحشي الثراء ويكفي الاستدلال من قصورهم ومواكبهم وأسلوب عيشهم.
تراجع التصنيف
إحتل لبنان المرتبة 137 عالمياً من أصل 180 دولة على مؤشر مدركات الفساد للعام 2019. ومن المتوقع ان تكون نتيجته أسوأ في التقرير الذي سيصدر عن العام 2020. إذ انه بحسب رئيس جمعية خبراء كشف الفساد المجازين “ACFE” محمد القيسي، فان “موقع لبنان في التصنيفات يتوقف على الإجراءات الإصلاحية الملزم باتخاذها. فاذا لم يقم بالخطوات الإصلاحية ولم يتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، ويبدأ باصلاح الكهرباء والمالية العامة والقضاء.. فانه سيبقى مكانه أو يتراجع أكثر”.
يؤكد المراقبون تغلغل الفساد في السنوات الأخيرة بكل مفاصل البلد. وهو يبدأ بدفع الرشاوى البسيطة لتسريع وتسهيل المعاملات، وينتهي بصفقات المشتريات العمومية والمناقصات والتلزيمات بمئات ملايين الدولارات. و”لكن من الصعب جداً كشفه في ظل غياب الشفافية وعرقلة حق الوصول إلى المعلومات”، بحسب مدير الابحاث في معهد عصام فارس د. ناصر ياسين. “حيث يجري التستر على الشركات الفائزة في المناقصات، لجهة إبراز مالكيها الحقيقيين وصلة قرابتهم بالوزراء والمسؤولين وكيفية اختيارهم وتفصيل دفتر شروط على قياسهم”. وبحسب ياسين فان “العمل يتركز اليوم على تعديل نظام المشتريات وطريقة تلزيم الصفقات. وفي حال النجاح في تمرير التعديلات، فان سيطرة المنظومة الفاسدة المرتبطة بالدول بشكل خاص وبمجموعة من الشركات والمؤسسات الكبيرة المستفيدة، من المفترض أن تتراجع”.
الفساد ممنهج
تختلف أسباب تجذر الفساد في لبنان عن الكثير من الدول. فهو أولاً فساد سياسي أنتجه ويحميه النظام الطائفي، وكانت نتيجته، بحسب المحامي واصف الحركة، “الفساد المالي والإداري والقضائي”. وبالتالي فان استمرارية النظام مرتبطة بالفساد لانه يؤمن له علاقة زبائنية مع المواطنين. ويسمح للسياسيين بادخال الأموال إلى جيوبهم وشراء ذمم الناس وتحديداً في الانتخابات. من هنا “أصبح الفساد ممنهجاً وتحول إلى ثقافة، خصوصاً بعدما دمروا القضاء والأجهزة الرقابية لتجنب المحاسبة والمساءلة”، يقول الحركة. وبرأيه “فان الفساد في لبنان ينتشر أفقياً على كل المجالات والقطاعات، وعمودياً من الوزير إلى الحاجب – مع وجود استثناءات في كل المراحل الوظيفية. وهذا ما يصعّب مواجهته ويرفع تكلفته. ومن وجهة نظر الحركة فان “مواجهة الفساد تعتبر واحدة من عناوين المعركة الاستراتيجية مع هذا النظام من أجل تجفيف نتائجه التي يستخدمها في العلاقة الزبائنية ولتحصيل الأموال وشراء ذمم الناخبين”.
أداة للاستمرار
الفساد في لبنان تحول إلى أداة لضمان استمرار السلطة السياسية. وهو لا ينحصر، بحسب قيسي، في القطاع العام إنما يمتد أيضاً إلى القطاع الخاص. إنما الفرق يبقى في المراقبة. حيث تكون أكثر جدية من قبل المساهمين ومجالس الإدارة واللجان في مؤسسات القطاع الخاص، كونها تبغي الربح. الأمر الذي يحد من استشراء الفساد وتعمقه، وذلك على عكس المراقبة في القطاع العام، حيث المساهم هو المواطن ويغيب الإشراف على عمل الدولة. “فحكم الموظفين بعضهم البعض يرفع احتمال تزايد الفساد”، من وجهة نظر القيسي. “ويزيدنا إصراراً على ضرورة تنفيذ الاصلاحات والمكننة في الدولة”.
صعوبة محاربة الفساد لا تعني استحالتها، برأي الحركة، وهي تتطلب 3 إجراءات رئيسية: الأول قانوني تمثل بإقرار قوانين محاربة الفساد، وفي مقدّمها قانون استقلالية القضاء. الثاني: تفعيل الاجهزة الرقابية ورفع وصاية السلطة السياسية عنها. الثالث: مواجهة شعبية تتمثل في فضح الفاسدين وجعلهم مستهدفين بالمعنى الاخلاقي والمعنوي.
تحديد يوم عالمي لمكافحة الفساد يهدف إلى إذكاء الوعي عن مشكلة الفساد والتشجيع على مكافحته ومنعه. لان الفساد بحسب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “هو فعل إجرامي لاأخلاقي، وخيانة للأمانة المستودعة من الشعب. وضرره يكون أشد جسامة في أوقات الأزمات”.