IMLebanon

تحالف دولي وتنافس على فواتير الإعمار

خفتت نجوميّة التحالف الدَولي لمكافحة الإرهاب. بردت همّته. غابت البيانات عن عدد الطلعات، والإحصاءات.

شيء ما بدأ يتغيّر، وهناك تحوّلات ثلاثة قيدَ التداول في الأروقة الدبلوماسيّة:

الأول: أنّ منابع التمويل قد خفّ منسوبها، والدول المانحة لها إهتماماتها، إنها أمام أولويات جديدة، وتحدّيات مصيريّة، من عناوينها اليمن غير السعيد الذي يولّد مستجداتٍ، ويفرض أولوياتٍ لم تكن في الحسبان.

الثاني: إهتمامُ غالبية دول التحالف بحماية ساحاتها، والحرص على أمنها الداخلي من أيّ إختراق إرهابي وافد من الساحات المشتعلة في الشرق الأوسط.

الثالث: الإعتماد على الطاقات والإمكانات المحلية، ومحاربة الإرهاب لا تكون من الجوّ فقط، بل من جيوش تتحرّك على الأرض، وهذه لن تأتي لا من الولايات المتحدة، ولا من أيّ بلد غربي عضو في التحالف، ولا بدّ من الإعتماد على القوى الذاتية لكلّ دولة، وأهل مكّة أدرى بشعابها، وقد قدّم العراق نموذجاً عمليّاً في تحرير تكريت يمكن أن يُحتذى في سائر دول الإقليم التي تريد أن تتخلّص فعلاً من وباء الإرهاب.

وعند التوغّل في الخلفيات تصبح المعالم أكثرَ وضوحاً، ذلك أنّ الولايات المتحدة مع فرنسا وسائر دول الإتحاد الأوروبي الأعضاء في التحالف، إكتشفت أخيراً أنّ العملاق الإقتصادي الأصفر المكوّن من الصين، واليابان، وكوريا الجنوبيّة يستفيد من التداعيات، ومن تدنّي أسعار النفط، ويستفيد من إنشغال الغرب بملفات المنطقة الأمنية والسياسيّة، في حين أنّ القارة الصفراء منهمكة بالتوسّع تجاريّاً، والبحث عن أسواق إستهلاكيّة جديدة، حتى في الساحات الملتهبة. كانت المعادلة صادمة «الغرب يقارع ويصارع الإرهاب، فيما يأتي الشرق ليستثمرَ ويستفيد؟!».

وينشغل الغرب، وتحديداً مجموعة (5+1) بمفاوضات صعبة وشاقة مع إيران حول النووي، فيما ينصرف الآخرون كلّ الآخرين الى ترتيب ملفاتهم، وتوطيد مصالحهم في الشرق الأوسط، وزيادة إستثماراتهم إستناداً الى واقعية مجرّدة من العواطف تستند الى أرقام وحقائق مالية وإقتصاديّة.

قد يغيّر التفاهم حول النووي الكثير من الأولويات، ويفسح المجال أمام الدول المعنية به لأن ترسم سيناريوهات، لا بل إستراتيجات جديدة، ولكن أيّاَ يكن حجم التغيير المنتظَر، فإنّ العملاق الإقتصادي الأصفر قد ضمن مصالحه، وربما لعقود طويلة، من خلال «تبادل المنافع، وتوسيع هوامش المصالح المشترَكة».

ويبحث الغرب المنخرط في التحالف الدولي عن أسواق جديدة، وصفقات دسمة لتشغيل مصانعه الحربيّة، وزيادة الإنتاج وتوفير المزيد من فرص العمل، فيما يؤسّس الطرف الآخر لشراكة إقتصاديّة حديثة متكافئة، تؤمّن الإكتفاء الذاتي وتبادل المعلومات والخبرات ما بين الدول المصنّعة وتلك المستهلِكة. هناك مّن يذكّر بالجولة الآسيويّة الواسعة التي قام بها الملك سلمان بن عبد العزيز، العامَ الفائت، عندما كان لا يزال وليّاً للعهد، وقد شملت يومها الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، ودولاً أخرى، وأسفرت عن إبرام إتفاقيات متعدّدة مديدة الزمن، وبدأت تأخذ طريقها نحو التنفيذ، ما شكّل ويشكّل إرباكاً للولايات المتحدة، ودول التحالف الغربي.

عُقدت على هامش القمّة الإقتصادية العالمية في شرم الشيخ ندوة حول الإرهاب وتداعياته الأمنيّة، والسياسيّة، والإقتصاديّة، كان الفرز نافراً، دول العملاق الإقتصادي الأصفر، وصفت التحالف الدولي «بالغول الذي جاء الى الشرق الأوسط تحت شعار مكافحة الإرهاب، ليلتهم كلّ شيء، وليرسم حدود مستعمراته الجديدة، ويستأثر بورشة البناء والإعمار في كلّ من العراق، وسوريا، وليبيا، ويعزل الصينيين واليابانيين قدر الممكن والمستطاع، كي تستأثر دوله وحدها، وتبقى فاتورة الإعمار حكراً على الشركات الأميركيّة – الأوروبيّة الغربيّة دون سواها». تهم لم يتمكن الغرب من الدفاع عنها كما يجب، وأضفت شحوباً على أجواء الندوة، والكثير من الثغرات التي لم يتمكّن أحدٌ من سدّ فراغاتها.

ويفيد تقريرٌ دبلوماسي أنّ القمة الإقتصادية في شرم الشيخ، ومؤتمر الدول المانحة في الكويت كانا موضع تقييم دول التحالف، وأنّ تبدّلاً واضحاً قد فرض نفسه: «أمن أوروبا فوق أيّ إعتبار، وعلى الغرب أن يحارب الإرهاب الوافد الى ساحاته بمختلف الوسائل، أما القابع في الشرق الأوسط، والناشط في الكثير من دوله، فمسألة فيها نظر… وسلاح المصالح يبقى هو الأقوى».