IMLebanon

التدويل» يختلف عن المؤتمر الدولي … هل من دولة جاهزة لطرح أزمة لبنان على طاولة مجلس الأمن؟! 

 

 

أعاد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظة يوم الأحد الفائت، تكرار ما يجده حلّاً مناسباً للأزمة اللبنانية وهو التدويل. ويختلف التدويل الذي يجد فيه الراعي الحلّ الأفضل للبنان حالياً، أمام الحائط المسدود الذي وصل اليه المسؤولون اللبنانيون في رفضهم «الحوار» الذي تنادي به أكثر من جهة، عمّا سبق وأن طالب به البطريرك أي عقد مؤتمر دولي لحلّ الأزمة السياسية اللبنانية، لا سيما انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة اللذين يُعتبران، بشكل مبدئي، «مفتاح» الحلول للأزمات التي تعصف في البلد. ولكن هل يُمكن أن يحصل «التدويل» أو انعقاد مؤتمر دولي في ظلّ عدم التوافق الداخلي؟ هذا التوافق الذي إن حصل قد لا يعود يحتاج عندها الى أي تدخّل من دول الخارج.

 

أوساط ديبلوماسية مطّلعة، أكّدت أنّ التدويل في العلاقات الدولية في معناه العام هو وضع ملف معيّن بين يديّ الأسرة الدولية أو المنظمات الدولية، لا سيما الأمم المتحدة، فضلاً عن منظمات أخرى مثل «الناتو» أو «جامعة الدول العربية»، أو سواهما بحسب ما تتطلّبه الأزمة بهدف إيجاد حلّ لها، شرط أن تدعو دولة ما أو أي جهة غير حكومية، المجتمع الدولي الى التحرّك لحلّ هذه الأزمة لدى دولة أو أكثر أو لدى مجموعة قومية، أو إثنية، أو دينية، أو إزاء كارثة طبيعية أو إنسانية. وثمّة أشكال عدّة لتدويل أزمة معيّنة، سيما وأنّ كلّ الأزمات قابلة للتدويل، شرط أن يتمّ طرح هذا الأمر من قبل طرف أو مجموعة، أو مؤسسة عالمية ضمن ملف محدّد.

 

وفي لبنان يطرح الراعي «التدويل»، على ما أضافت الاوساط، وهذا يعني بأنّ عليه إمّا أن يكون الجهة التي تدعو الأمم المتحدة الى تدويل الأزمة اللبنانية، أو إيجاد دولة صديقة تتبنّى أمر طلب «التدويل»، وأن تترافق هذه الدعوة مع ملف كامل تطرح خلاله الأزمة، واقتراحات الحلول لها. وإذا وافقت الأمم المتحدة، وإذا جرى اختيارها لتدويل الأزمة، تحيل الملف عندها الى مجلس الأمن الذي يدعو الى عقد اجتماع لمناقشة هذه الأزمة والتصويت عليها، توصّلاً الى قرار ما بشأنها. مع الإشارة الى تمتّع خمس دول أعضاء في مجلس الأمن بحقّ النقض «الفيتو» الذي يُمكن أن تستخدمه أي دولة لرفض القرار. ولهذا فالتدويل أمر يتطلّب جهوداً سياسية وديبلوماسية عدّة، كونه طويل المسار، ويلبّي بالتالي مصالح أطراف عدّة، وليس مصلحة من هم بحاجة إليه.

 

وعرف لبنان خلال تاريخه أوقاتا عدّة اختبر فيها «التدويل»، على ما أوضحت الأوساط نفسها، لا سيما «الإنتداب الفرنسي» الذي اتخذ بقرار من المجتمع الدولي الذي كان يُعرف آنذاك بـ «عصبة الأمم»، ومن ثمّ أصبح لبنان من بين الدول الرئيسية التي أسّست الأمم المتحدة في العام 1945، بعد أن بات له سيادة وطنية. وخلال الحرب ومع الإجتياح «الإسرائيلي» لجنوب لبنان في العام 1978، أصدر مجلس الأمن بطلب من الحكومة اللبنانية القرار 425 الذي دعا القوّات «الإسرائيلية» الى الإنسحاب من الأراضي اللبنانية، تلته قرارات عدّة ذات الصلة مثل الـ 436، والـ 520، وصولاً الى القرار 1559 الذي طالب بانسحاب القوّات السورية من لبنان، وبنزع سلاح الميليشيات غير الشرعية في لبنان، ونتج عنه مجموعة قرارات بما فيها القرار 1701 بعد حرب تمّوز-آب 2006، ومن ثمّ قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري ورفاقه في العام 2007.

 

أمّا المطالبة بانعقاد مؤتمر دولي من أجل لبنان، أو لحلّ أزمته، فيختلف تماماً عن «التدويل»، إذ يُمكن أن يُعقد داخل لبنان، أو في أي دولة في العالم «تتبنّى» مساعدة لبنان، على ما عقّبت الاوساط، على غرار ما جرى مرّات عدّة في السابق ، لا سيما مؤتمرات «باريس 1»، و»باريس 2»، و»باريس 3»، التي تحوّلت لاحقاً الى مؤتمر «سيدر» لحلّ الأزمة اللبنانية. وقد طالبت المجموعة الدولية والدول المانحة وصندوق النقد الدولي في هذا المؤتمر الأخير من المسؤولين اللبنانيين بإجراء الإصلاحات الشاملة المطلوبة للحصول على القروض المالية، غير أنّ أي منها لم يتحقّق حتى الآن.

 

وبرأي الاوساط، بأنّ مطالبة دول الخارج بحلّ الأزمة اللبنانية سيجعل هذه الأخيرة تضع حلولاً تناسب مصالحها، أكثر من الإهتمام بمصلحة لبنان أو بمصلحة الشعب اللبناني. وهنا خطورة الأمر في أن يتمّ اللجوء الى المجتمع الدولي، ولا يعمل هذا الأخير على إحقاق مصلحة لبنان واللبنانيين. كما أنّ القرار الذي قد يتمّ التوصّل اليه، قد يتعرّض للنقض من قبل أي دولة من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن أي الصين، فرنسا، روسيا، بريطانيا وأميركا، في حال لم تكن موافقة على هذا القرار، أو في حال كان يمسّ بحلفائها السياسيين في لبنان.

 

وأشارت الأوساط عينها الى أنّ المطالبة بالحياد تختلف كذلك عن التدويل، كما عن التحييد، فقد سبق للحكومات اللبنانية المتعاقبة أن طالبت في بياناتها الوزارية بتحييد لبنان عن الأزمات العربية المحيطة، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية لهذه الدول، التزاماً بميثاق جامعة الدول العربية (المادة 8). أمّا الهدف من ذلك، فكي لا تأتي الصراعات العربية والإقليمية في نهاية الأمر على حساب لبنان وشعبه.

 

وفيما يتعلّق بالجهة التي ستدعو جديّاً الى التدويل، فتقول الاوساط بأنّ أي دولة في العالم لا تعطي اليوم الأولوية للملف اللبناني، ففرنسا والدول الأوروبية منهمكة بتأمين الطاقة لشعوبها للسنوات الخمس أو العشر المقبلة، والولايات المتحدة تريد فرض شروطها في لبنان وفي بعض دول المنطقة، رغم أنّ السعودية اتجهت شرقاً نحو الصين، من دون أخذ رضاها أو موافقتها على ذلك. والدول الأخرى تبدو غير معنية، وتقف موقف المتفرّجة. وإذا ما كان الهدف من «التدويل» التوصّل الى ما عجزت عنه «ثورة الأرز» في العام 2005، و»انتفاضة 17 تشرين» في العام 2019، أي نزع سلاح الميليشيات غير الشرعية في لبنان، وإن تلطّت بشعار «كلّن يعني كلّن»، فإنّ الإدارة الأميركية الحالية أي إدارة الرئيس جو بايدن، لا تبدو متحمّسة الى خوض هذه المعركة، في الوقت الذي تُحاول فيه تصحيح الإتفاق النووي، وبالتالي علاقتها مع إيران، خصوصاً بعد اتجاه الصين نحو السعودية أخيراً.