عجزت المبادرات الداخلية والخارجية حتى تاريخه، في إجتراح الحلول، لإخراج لبنان من أزمته. فيما المواطن اللبناني يدفع الثمن، إقتصاديًّا وإجتماعيًّا ونقديًّا وأمنيًّا وصحّيًا. أما الساسة يتحاصصون، ضمن سلطة فاسدة، ولبنان على شفير السقوط الكبير والفوضى العارمة.
طرح غبطة البطريرك الماروني «مار بشارة بطرس الراعي» عقد مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان، بعد أن أيقن أنّ كافة المبادرات قد سقطت، فلا حكومة قد شُكّلت، ولا حلول قد إرتسمت في الأُفُق.
مِنهُم مَنْ أيّد هذا الطرح، ومِنهُم مَنْ قابله بالرّفض والتخوين.
وبعيدًا عن السياسة ومصالح السلطة، يُطرح السؤال التالي:
هل بِإمكان مجلس الأمن الدولي التدخُّل في نزاع داخلي، تحت أحكام الفصل السابع، كما يروّج البعض ويُجاهِر؟.
بالعودة إلى ميثاق الأمم المتّحدة تاريخ 26/6/1945، والذي أصبح نافذًا بتاريخ 24/10/1945، يتبيّن جليًّا، أنّه في حال عجزت السلطات الدستورية في أي دولة عضو في الأمم المتّحدة، عن حلّ أزمتها، بإمكان المجتمع الدولي، عبر مجلس الأمن، أن يتدخّل «ديموقراطيًا» للمُساعدة في حلّها. مع الإشارة إلى أنّ هذا التدخُّل لا يجب أن يتعارض مع القواعد الأساسية للقانون الدولي، وأهمّها قاعدة سيادة الدول وعدم التدّخل في شؤونها الداخلية.
وللتمكُّن مِنْ إدراج أزمة لبنان تحت أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتّحدة، ولتمكين مجلس الأمن من التدخّل في أزمة داخلية وتخطّي قاعدة سيادة الدولة وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية، يتطلّب ذلك تأمين إتّفاق بين الدول الدائمة العضويّة في مجلس الأمن، يحول دون إستعمال أحدهم حق النقض «الفيتو». ويتطلّب ثانيًا إثباتًا داحضاً أنّ الأزمة اللبنانية باتت تُشكّل تهديدًا حقيقيًّا وفعليًّا للسِّلْم والأمن الدوليين، سندًا لأحكام المادة /39/ من ميثاق الأمم المتّحدة.
وبحال تمكّن أصحاب الشأن من إثبات ذلك، يُصبح من حق وصلاحية مجلس الأمن التدخُّل، بموجب أحكام الفصل السابع، خلافًا لمبدأ سيادة الدول وعدم التدّخل في شؤونها الداخلية (الفقرة السابعة من أحكام المادة الثانية من ميثاق الأمم المتّحدة).
والقرارات التي يتّخذها مجلس الأمن الدولي عندها، لها صفة مُلزمة لكافة الدول الأعضاء، عملاً بأحكام المادة /25/ من ميثاق الأمم المتّحدة، سيما، الدولة المَعْنيّة. بحيث لا يحّق للسلطة رفضها أم الطعن بها أم تجاهُلها.
أمّا لجهة الواثق، إنّ مجلس الأمن الدولي، لا يحّق له فَرْض تدابير بالشؤون الداخلية للدول الأعضاء. نُذكّره بِقرار مجلس الأمن رقم 554 /1984 تاريخ 17/8/1984 الذي أعلن إبطال الدستور الجديد لدولة «جنوب أفريقيا»، كَوْنه يتناقض مع مبادئ ميثاق الأمم المتّحدة.
كذلك، في قراره رقم 1244 /1969 أنشأ إدارة مؤقتّة «لِكوسوفو». وفي قراره رقم 1272 /1999 أنشأ إدارة إنتقالية في «تيمور الشرقية»، وأيضًا في قراره رقم 1721 /2006 في ما خصّ «ساحل العاج».
فضلاً عن العديد من القرارات، والتي كرّست الديموقراطية، عبر الإشراف على إنتخابات تشريعية (مثلاً في ناميبيا ونيكاراغوا والصحراء الغربية ومالي والنيبال والعراق وأفغانستان وليبيريا وسيراليون…).
(دراسة في القانون الدولي للدكتور أنطونيو أبوكَسم).
وبالتالي، يُمكن اللجوء إلى مجلس الأمن عبر بوّابة الفصل السابع، شرط تحقيق إتّفاق بين الدول الحائزة على «حق النّقض». وشرط إثبات أنّ الأزمة الحالية باتت تُشكّل تهديدًا للسِّلْم والأمن الدوليين.
لكن السؤال الأهّم يبقى:
ما هو المُنتظَر مِنْ مجلس الأمن، (بِحال سلّمنا جَدَلاً أننا تمكّنا من إقناع الدول الدائمة العضويّة بِجَدوى طرح الأزمة الراهنة على طاولة مجلس الأمن، وبأنّ الأزمة باتت تُشكّل تهديدًا للسِّلم والأمن الدوليين)؟؟؟.
فَمَجلس الأمن سَيَدعو إلى تشكيل الحكومة، وإنتظام عمل المؤسسات الدستورية، وإلى وَضع خطّة إنقاذية عاجلة للبلاد والعباد، وإلى…. .
فهل بواسطة هذه السلطة الفاسدة سَنُعيد إنتظام عمل المؤسسات؟.
وهل بواسطة هذه السُلطة الفاسقة سَنضع خطّة إنقاذية للوطن؟.
وهل سنمنح الثقة لسُلطة ثبُت فشلها وفسادها، ونسلّمها زِمام إخراج لبنان من عُنُق الزُّجاجة؟.
ثابت، أنّ مَنْ يَدعو إلى عقد مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان، حَسَن النيّة، ويسعى جاهدًا لإجتراح الحلول وإيجاد المخارج.
لكن الثابت أكثر من ذلك، أن لا خروج من أزمتنا الراهنة إلاّ بالذّهاب إلى صناديق الإقتراع، وإلى إنتخابات نيابية مُبكرة، وإلى الشعب الذي هو مصدر السلطات. وإلاّ لا خلاص لِلُبنان، حيث لا يُعْقَلْ أن يكون مَنْ سَبّب الأزمة، هو مَنْ سَيَتولّى حلّها.
فَكَفى تمييعًا وتهرُّبًا من الحقيقة الساطعة، ولا مفرّ من الإنتخابات، شاء مَنْ شاء، وأبى مَنْ أبى.