من يتعمّق في قراءات «حزب الله» الإيديولوجية، وفي فهمه للوطن والدولة، يتأكّد أنّه «يتطلّع إلى دولة تتلاءم مع طبيعة وطنه وتركيبته». فلطالما اعتُبر أنّ «الدولة اللبنانية هي امتداد لمشروع خارجي تقوده اسرائيل والولايات المتحدة، وفّر الفرصة لقيام حكم «أحادي الجانب». فعمل منذ تأسيسه على محاولة تغيير وجه لبنان المرتبط بالغرب، أيّ بأميركا واسرائيل، وفق أدبيات الحزب، لـ»مصلحة سلطة بديلة تتلاءم مع مقتضيات النزاع مع الاحتلال، وتتلاءم مع نظرته الى دور لبنان وموقعه على خريطة النزاع مع اسرائيل».
إستناداً إلى هذا المفهوم لدور لبنان، شرّع «حزب الله» حركته العسكرية والحزبية الممتدة إلى خارج الحدود اللبنانية، وطوّرها بنحو تتلاءم مع مشروعه في لبنان ومشروع ايران للمنطقة. فنجح إلى حدّ مهم في إدخال بعض التعديلات على صورة لبنان، لتصبح ملاصقة ومرادفة لمفهومه للوطن والدولة ولمعتقداته أكانت دينية أم ثقافية، في موازاة نجاحه في الإمساك بمفاصل القرار السياسي والأمني في البلد، وهي عوامل تشكّل نقاط ارتكاز ومدماكاً مهمّاً لتوسّع بُنيانه الإيديولوجي والعقائدي.
وبحسب مصدر سياسي معارض، «هذا التطوّر التراجيدي، لم يُنتج دولة قوية، إنّما دولة ضعيفة مقابل «دويلة» قوية، أباحت سطوة السلاح، على مؤسسات وقرارات الدولة السيادية، وتجارة التهريب والتزوير وصناعة المخدرات، والأعمال غير الشرعية. واذا كنّا نتغنى بإرث الرشوة من الأتراك، فالسرقة في تاريخ لبنان لم تشهد وقاحة كتلك التي نشهدها اليوم، إلى حدّ أدّت غرضها في فكفكفة أسس النظام السياسي والاقتصادي ومعهما النظام المالي وصولاً إلى الانهيار الكامل، وتحوّل أكثر من نصف اللبنانيين إلى ما دون خط الفقر أسوةً بالشعب الإيراني».
هذا التضارب الفكري والثقافي والعسكري والأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي، مع أسس الكيان اللبناني، لم يرُق لبكركي. فصدح صوت الراعي في سماء لبنان يوم 27 شباط الفائت، محذّراً، وبلغةٍ لبنانية صرف، من أننا «نواجه حالةً انقلابيّة بكل معنى الكلمة». وذكّر بأنّ «التجارب التاريخية، القديمة والحديثة، أثبتت أنّ كلما انحاز البعض إلى محور إقليمي أو دولي، انقسم الشعب وعُلّق الدستور، وتعطّلت الدولة وانتكست الصيغة اللبنانية، واندلعت الحروب»، مؤكّداً جوهر الكيان اللبناني المستقل، أيّ الحياد.
وفسّر الراعي، انّ المطالبة بمؤتمر دولي من اجل لبنان، لم يكن إلّا «بعد أن بلغت كل الحلول الأخرى حائطاً مسدوداً، ولم نتمكن في ما بيننا من الاتفاق على مصير وطننا».
وفي السياق، يقول المصدر المعارض: «ما يريده الراعي من المؤتمر يريده معظم اللبنانيين، وليس فقط عشرات الآلاف الذين احتشدوا في الصرح وعلى الطرق. يريد الراعي من المؤتمر الدولي ما يريده أيُّ حرّ لبلده، يطمح لأن يعيش بحريّة وكرامة». ويضيف: «في اختصار، قالها الراعي من خلال المؤتمر الدولي، نريد ان نسترجع لبنانيتنا. حماية حدودنا. دعم جيشنا وأن يكون الجيش الوحيد على أرضنا. حماية نظامنا الديموقراطي. صون شراكتنا وهويتنا. حماية استقلالنا وسيادتنا وسيادة دولتنا عبر تنفيذ القرارات الدولية. منع التوطين وعودة اللاجئين السوريين. وإعلان حياد لبنان، فلا يعود ضحية النزاعات والحروب، وأرض الانقسامات، ويتأسّس على قوّة التوازن، لا على موازين القوى. هي ليست عناوين، هي عيش يومي. مبادرة، لخّصتها بكركي بمجموعة سطور كُتبت بحبر تعتّق في خوابي البطريركية وتجاربها التاريخية، شكّلت خريطة طريق خلاص لكلّ لبنان بمسيحييه ومسلميه. وعلى الرغم من كل المبادرات الإنقاذية وغيرة الدول الخائفة على لبنان وهي مشكورة، وحدها بكركي اليوم تحمل المبادرة الإنقاذية الصحيحة، لا باريس، ولا فيينا، ولا القاهرة، ولا غيرها، إلّا أنّ المسؤولية الكبرى ملقاة على عاتق اللبنانيين، لحماية مستقبلهم، وحماية هذه المبادرة وترجمتها ووصولها إلى خواتيمها المرجوة. على اللبنانيين مسؤولية التوحّد في أكثر الظروف دقة وحاجة واستثنائية وخطورة في تاريخ لبنان. ان يتوحّدوا امام منظومة خرجت عن الدستور والقوانين، ونظّمت نفسها في إطار منظومة السلاح والفساد. طلب منا الراعي ان لا نسكت. والأهم ان لا نسكت عن نسيان الشهداء. أي أن لا ننسى شهداءنا، وما ضحّوا في سبيله».
فما هي الخيارات المتاحة؟
يقول المصدر: «كما دعوة الراعي، اللبنانيون مدعوون إلى مقاربة الأفكار بروح إيجابيّة بعيداً من السلبيّة، خصوصاً أنّ المبادرة صادرة عن بكركي. خيارات المواجهة ليست بكثيرة. لا أحد يريد الحرب وحمل السلاح، ولو أنّ النفوس جاهزة لحمله عند الضرورة، لكن المطلوب وبسرعة، القرار الجدّي بالمواجهة. المواجهة السلمية في وجه الاحتلال الايراني للبنان».
وهذه المواجهة لها طرقها وأساليبها لتؤتي ثمارها، ومنها «العريضة» التي تشكّل وسيلة للتخاطب المباشر مع الرأي العام الدولي بسبب فقدان الثقة بالمؤسسات الدستورية.
المنحى القانوني للعريضة
رئيس مؤسسة «جوستيسيا» الحقوقية المحامي بول مرقص، يوضح لـ»الجمهورية»، أنّ «العريضة» لا مفعول قانونياً تنفيذياً لها، ولا تسلك أي آلية من آليات الأمم المتحدة أو الآليات الدولية المعترف بها امام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أو مجلس الأمن أو أي من الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة، بل مفعولها معنوي للفت نظر الرأي العام الخارجي الى ضرورة دعم لبنان، وهي تلاقي جهود البطريرك في هذا الإطار». ويشير إلى أنّ «لا خيارات لتفعيل العريضة، طالما انّ لا مفعول قانونياً ملزماً لأحد، لا داخلياً ولا خارجياً، لأنّ الدول منفردة يبقى لها حق القرار في دعم أو عدم دعم بلد آخر تحت المعاناة، وكذلك عبر هيئات الأمم المتحدة هناك أصول تسلكها وتصوّت عندما يقتضي الأمر. فوجود العريضة لا يغيّر في أي قرار دولي، بل هو وسيلة معنوية».
مجموعات الثورة السيادية
حركة «نحو الحرية» واحدة من المجموعات الثورية التي نظّمت لقاء 27 شباط في بكركي، وممن أطلقوا عريضة التوقيع من أجل المؤتمر الدولي بمشاركة مجموعات سيادية من مختلف الطوائف، توضح لـ»الجمهورية» انّ إطلاق العريضة يأتي في سياق الخطوات السلمية العملية الداعمة لمواقف البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، والوسيلة الأفعل في ظلّ جائحة كورونا التي تمنع أي حركة او اعتراض في الشارع.
ويقول الناشط في الحركة الياس الحويك: «البطريرك وصل إلى حال من اليأس من الطبقة السياسية، لدرجة دعا فيها إلى انعقاد مؤتمر دولي، هو السبيل الوحيد الذي يمكن من خلاله حلّ مشكلة السلاح غير الشرعي بالطرق السلمية، أمام الامكانات الداخلية المعدومة. من هنا، كان الهدف إنشاء مجموعات ضاغطة وتكوين حالة اعتراضية وإيصال صوتها إلى المحافل الدولية».
ومعلوم أنّ موقع change.org، من اهم المواقع والمنصّات الموثوقة عالمياً ومعتمدة نتائجها في الأمم المتحدة، نظراً لما تتميّز به من دقة وعدم تزوير وضوابط لا تسمح باللعب بالنتائج بأي طريقة. وهي نظّمت عدداً من الاستطلاعات والعرائض في العالم وذهبت بها إلى الأمم المتحدة.
وفي السياق، تمّ الحصول على نحو 17 ألف توقيع حتى الآن لعريضة المؤتمر الدولي من اجل لبنان، والعمل متواصل مع المواطنين والجهات الضاغطة داخلياً وعالمياً، للحصول على تواقيع أكبر، وعند الانتهاء سيتمّ تقديمها إلى ممثل الأمم المتحدة في لبنان، وإلى سفارات الدول الأعضاء في مجلس الأمن والدول الفاعلة كالفاتيكان وغيرها.
وبدوره الناشط تيدي أبو رجيلي، يشير إلى أنّ «الأمم المتحدة تأخذ مسألة الإحصاءات في الاعتبار، والمنصّة المعتمدة لتسويق العريضة تُعتمد أيضاً لدى المنظمات العالمية نظراً للصدقية التي يتمتع بها، وهي حققت نحو 72 ألف نجاح في 196 دولة حول العالم. ونسعى لأن تكون قضية لبنان واحدة من النجاحات التي تُضاف، والعريضة ستشكّل في المستقبل وثيقة بين يدي بكركي في أي محادثات حول الحياد وغيره مع المجتمع الدولي».
ويلفت ابو رجيلي إلى أنّ «التوقيع يتخطّى المنطق الطائفي الضيّق، خصوصاً أنّ المجموعات السيادية في الثورة والتي شاركت في إطلاق العريضة معنا، تبنته، ومنها درزية وسنّية وشيعية، من هنا، تأخذ العريضة وجهها الوطني». ويوضح أنّ «العريضة كمشروع خلقت نوعاً من التوحيد للأهداف بين المجموعات السيادية، وما نسعى اليه في المستقبل هو خلق دينامية موحّدة لعناوين التحركات واهدافها».
«مسؤوليتنا ان نبدأ، لا بل قدرنا أن نبدأ من جديد. مسؤوليتنا ان نحمي مستقبل الأجيال، وما تخاذل عنه قادتنا وسياسيونا»، يختم المصدر السياسي المعارض. مضيفاً: «مسؤوليتنا أن نحرّر الدولة، فـ»عظمة حركات التحرّر والمقاومة في العالم هي أن تصبَّ في كنف الدولة وشرعيّتها». وَعَدنا البطريرك الراعي أن لا يخيّب آمالنا، فلنعده اليوم أن نقف معه وان نسير إلى نهاية الطريق، فإمّا نسقط معاً أو نحيا معاً».
الرابط الذي يمكن من خلاله التوقيع على العريضة
http://www.change.org/petitionforlebanon