محت القوات الروسية والأسدية والإيرانية مدينة حلب الجميلة من فوق الأرض وسوّتها بها، أو كادت. فما يجري في سورية ليس حرباً على الإرهاب يخوضها ما يعرف بالتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي يبدو أن التوصيف الواقعي له هو التحالف لتدمير سورية وقتل شعبها وتهجيره ومحو المدن وإبادة البشر والحجر والشجر. فظاهر الأمر يدل على أن تنظيم «داعش» غير مستهدف فعلياً بضربات التحالف، فهو يَتَعَاظَمُ شأنه ويَتَفَاقَمُ خطره وتتقوَّى شوكته، بينما تستهدف تلك الضربات الثوار الأحرار والمواطنين العزل الذين يقاومون كل هذا الحشد الإجرامي المتعدد الجنسيات والعقائد.
سورية تباد اليوم إبادة كاملة أمام مرأى من العالم ومسمعه، ولنقل بعبارة أدق، أمام الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية اللتين هما القوتان العظميان القابضتان على زمام مجلس الأمن، الذي صار خاضعاً لهما، فاقداً مصداقيته، ولم يعد كما كان يراد له أن يكون «حكومة العالم»، تضطلع بمسؤولية حفظ الأمن والسلم في العالم، وحماية القوانين الدولية من الانتهاك والعبث بها. وهي إبادة حقيقية وليست مجازية إطلاقاً.
إن السؤال الذي ينبغي أن يطرح: هل كل من يحمل السلاح في سورية ويحارب النظام الطائفي، هو من الإرهابيين؟. هذا ما يقوله النظام ومعه روسيا وإيران وتوابعها، وهم كثر. وعلى هذا الأساس، تتضافر جهود هذه الأطراف المتحالفة، لتطهير سورية من شعبها الذي يحمل السلاح في وجه النظام لإسقاطه. الملاحظ أن داعش لا يحارب النظام السوري. صحيح أن هذا التنظيم قد اكتسح مناطق شاسعة من التراب السوري، واحتل مدناً وقرى، لكنه لا يدخل في معارك مع قوات النظام. وإنما المسألة بخلاف ذلك تماماً، فداعش يحارب فصائل المعارضة السورية ويضربها في مقتل، ثم ينسحب من المناطق التي يحتلها ويتركها تحت وابل القصف الهمجي الذي يدمر كل شيء، ما يجوز معه القول إن هذا التنظيم الإرهابي يتصدى لأعداء النظام السوري، ويعمل لحسابه.
إنها المأساة الإنسانية المرعبة التي تفضح التواطؤ بين القوى العظمى في تنفيذ مؤامرة دولية، هي بكل المقاييس، إنذار شديد القوة بإفلاس النظام العالمي وبوار السياسة الدولية، وبدخول العالم مرحلة من الفوضى التي يُنتهك فيها ميثاق الأمم المتحدة، ويتعرض الأمن والسلم الدوليان لأخطار شديدة. وإذا لم يبادر المجتمع الدولي بإزالتها، ستزداد الكوارث المدمرة في المنطقة التي يتحمَّل مسؤوليتها القانونية والأخلاقية اللاعبون الكبار بالنار، والعابثون بحقوق الإنسان، والمتاجرون بأرواح البشر، في هذه المرحلة العصيبة التي يعيشها العالم، والتي وصل فيها التهديد للسلام العالمي درجة لم يصلها من قبل. إن السياسات المنافقة واللاأخلاقية التي تنتهجها القوى العظمى في تعاملها مع الأزمة السورية، من شأنها أن تزيد في خطورة الأوضاع، ليس في سورية فحسب، وإنما في المنطقة بأسرها، إلى درجة أن بعض المحللين العارفين بخفايا الأمور، يذهبون إلى القول بأن الحرب العالمية الثالثة، إذا ما كانت ستقوم، فستندلع من الأراضي السورية. ونحن لا نرى في هذا الاحتمال مبالغة ما، لأن كل ما يجري في سورية اليوم يسير نحو هذا الاتجاه. لكن الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية ومعهما إيران بأحقادها وأطماعها الطائفية في المنطقة العربية، هي المسؤولة عن تدهور الحالة في سورية إلى هذا المستوى المأسوي.
وفي ظل الوضع الجديد في تركيا في أعقاب محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة التي بدأت معالم من دبرها ودعمها تتضح يوماً بعد الآخر، والتي من أهدافها تقليص الدعم التركي للثوار السوريين، يستمر قتل الشعب السوري وتدمير بلاده في إطار سياسة طائفية مقيتة تهدف إلى القضاء على المواطنين السنة، أو تهجيرهم ليهيموا في أقطار الأرض، وإحلال الشيعة في مناطقهم تستقدمهم إيران من بلدان عدة. وهذا مخطط بالغ الخطورة لا يعرف أحد كيف سينتهي ولا إلى أين يتجه. وما يزيد من تعقيد المسألة ومن خطورة الوضع في سورية، أن ما يجري على الأرض هو نتيجة للتوافق بين القوى العظمى ومعها إيران، هذا التوافق الذي هو القاعدة في التآمر ضد العرب والمسلمين جميعاً، وليس فقط ضد الشعب السوري.
والعرب والمسلمون جميعاً، لا يمكن إعفاؤهم من تلك المسؤولية، فالخطر يتهددهم، والتآمر يستهدفهم، وهم أصبحوا في قلب الأحداث، حتى وإن بعُد بعضهم منها جغرافياً. فها هي إيران تعد جيشاً طائفياً متعدد الجنسيات، لتنفيذ خطتها التوسعية جهاراً نهاراً. ولذلك يتوجّب على منظمة التعاون الإسلامي أن تتحرك في اتجاه إنقاذ الشعب السوري من الإبادة الجماعية، وحماية معالم الحضارة الإسلامية في هذا البلد المنكوب، وحماية العالم الإسلامي من حمى الطائفية المقيتة التي تنفخ في نارها إيران ومن يخدم سياساتها.
فالوضع جد خطير، ولا يقبل التأخير.