Site icon IMLebanon

التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب وحماية طريق التسوية السورية

ما كادت السلطات البلجيكية تلقي القبض على صلاح عبد السلام المتورط في اعتداءات باريس الدموية، وتكتشف أنه كان يحضّر أيضاً لاعتداءات مماثلة في بلجيكا، حتى تحرّكت الشبكة الإرهابية لتنفيذ مخططها الدموي في المطار والمترو، بحصيلة مرتفعة من الضحايا، وصور عن الرعب تزيدها ضراوة أنه بات من الممكن أن تحدث في أي وقت، في أي مطار ومترو وقطار عبر العالم. 

اعتداءات بروكسيل الإرهابية تنضم الى سلسلة الهجمات التي طاولت مدناً غربية منذ الحادي عشر من أيلول، كنيويورك وواشنطن ولندن ومدريد وباريس، لكن حصولها بعد ثلاثة أشهر على اعتداءات باريس، ومباشرة بعد إلقاء القبض على عبد السلام، يُظهران أولاً أن الشبكة الإرهابية التي تعمل لحساب أو تحت مسمى «الدولة الإسلامية» في بروكسيل هي كبيرة، بل إن تنظيم «داعش» بات يتعامل مع بروكسيل كـ»عاصمة» له في أوروبا. اختيار بلد صغير (صحيح أن بلجيكا كانت تستعمر أكبر بلد في أفريقيا، الكونغو، لكنها تبقى بلداً صغيراً لم يستطع حماية حياده في الحرب الكبرى)، يحوي مؤسسات الاتحاد الأوروبي، هو بحد ذاته نقطة خطيرة، ليس فقط لاختيار مطار ومترو بروكسيل في عداد بنك الأهداف، لكن أيضاً لتغلغل الشبكة الإرهابية في المجتمع المهاجر في بروكسيل: بخلاف الهجمات الإرهابية السابقة في المدن الغربية، نحن أمام ما يخشى تحوله الى حرب إرهابية حقيقية لتنظيم «داعش» في بروكسيل، وهذا لن يقوي فقط حجة اليمين المتطرف، ويرفع من أسهمه، بل إنه بات يطرح سؤالاً مجتمعياً عميقاً، حول كيفية الحفاظ على النمط الديموقراطي السلمي التعددي للعيش وصياغة وضعيات وسياسات الطوارئ في الوقت نفسه.

عربياً وإسلامياً، إدانة اعتداءات بلجيكا يُفترض بها أن تكون واضحة، قاطعة، بلا أي ذرة من المنطق التبريري، بل «التهويني»، خصوصاً أن من يهاجم بروكسيل بهذا الشكل، وفي هذه اللحظة بالذات، المرتبطة ببدايات الهدنة والبحث عن تسوية في سوريا، إنما ينحو لنقل الإشكال مجدداً الى مكان آخر. 

يسيطر «داعش» الأساسي في الوقت الحالي على قسم من العراق وقسم من سوريا، فيما تتبع له ولايات غير متصلة ببعضها البعض، في سيناء وليبيا واليمن ونيجيريا وأفغانستان والقوقاز، فضلاً عن «الفرع الأوروبي» الذي يبدو أنه بات يتخذ من بروكسيل بؤرة أساسية. وأكثر فأكثر هناك ميل لهذه الولايات الداعشية عبر العالم الإسلامي وفي الغرب لأن تعمل بشكل لا مركزي، بعد نيلها «الرخصة الداعشية»، أي مبايعتها للخليفة، وكان دانيل بايمان في عدد مجلة «الفورين افيرز« الأخير نبه الى هذا المنحى، الذي سيفرض بدوره مقاربة أخرى لمكافحة الإرهاب، وللتعاون الدولي لأجل مكافحته. 

حماية طريق التسوية السورية، والحؤول دون تفريغها من معناها، على ما يفعل النظام، وسيفعل أكثر إذا غابت الرعاية الدولية الكافية للمفاوضات، صار اليوم مسألة محورية إذا ما أريد لمكافحة الإرهاب أن تتأسس على منطق سليم ومجدٍ، لأنه طالما الحرب السورية قائمة، وطالما نظام آل الأسد في مكانك راوح، فإن «داعش» الأساسي «باقٍ«، و«داعش« الباقي في الموصل والرقة وتدمر، يعطي ليس فقط النموذج والتوجيه، بل أيضاً يغذي مالياً الشبكات الداعشية عبر العالم. أي تفكير انفعالي في الاتجاه المعاكس، بعدم العناية بالتسوية، للتركيز فقط على مكافحة الإرهاب، سوف يؤدي الى تعاظم مشكلة الأخير.