Site icon IMLebanon

الكنيسة والمحكمة الدولية… العدالة لحماية الإنسان ولبنان

 

يتذكّر الجميع الدور الذي لعبته الكنيسة المارونية في مواجهة الإحتلال السوري من خلال المواقف الصلبة التي إتخذها البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، ومن ثم نداء المطارنة الموارنة الشهير في أيلول 2000، ليتبعها الدور القيادي لصفير بعد إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط 2005، وصولاً إلى التحرير في 26 نيسان 2005 وإقرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

 

لا يمكن وضع قرار المحكمة الدولية اليوم في إطار الكشف عمّن قتل الحريري فقط، بل يأتي كأول قرار دولي يدين القاتل كائناً من كان، بعد موجة من الإغتيالات السياسية التي سبقت إستشهاد الحريري وتلته.

 

لم يكن يوم 14 شباط يوماً عابراً في تاريخ لبنان، إذ إنه شكّل الزلزال الكبير الذي انتفض معه الشعب اللبناني مطالِباً بالعدالة ومعرفة الحقيقة وبالحرية والسيادة والإستقلال، لكن فريق “8 آذار” حاول عرقلة المحكمة وأقفل رئيس مجلس النواب نبيه برّي أبواب المجلس لمنع إقرارها لكنها أقرّت، كما أن رئيس تكتل “التغيير والإصلاح” آنذاك العماد ميشال عون وصفها بـ”طبخة البحص”، في حين أن “حزب الله” فعل المستحيل لإسقاطها وأسقط حكومة الرئيس سعد الحريري في كانون الثاني 2011 تحت عنوان “شهود الزور” الذي لم يفعل أي خطوة فيه بعد تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.

 

كل هذه العوامل التفجيريّة ما زالت حاضرة، وقبل أيام من إقرار الحكم إنفجر مرفأ بيروت ليؤجّل إصداره إلى اليوم، في حين أن الفريق نفسه ما زال يرفض التحقيق الدولي في قضية المرفأ تحت شعار عدم الثقة في كل ما هو من الخارج، بينما يؤكّد إصراره على القيام بتحقيق مالي دولي.

 

وتبقى الكنيسة المارونية هي الحاضر الأكبر في كل هذه الأحداث، فالعدالة في قضية إستشهاد الحريري وبقية الشهداء ليست قضية سنيّة، بل إنها قضية مسيحية أيضاً ولبنانية، خصوصاً ان المسيحيين دفعوا الثمن الاكبر من الإغتيالات السياسية، إذ سقط لهم رئيسان للجمهورية هما بشير الجميل ورينيه معوّض، كما أن الوزير بيار الجميل والنائبين جبران تويني وأنطوان غانم وكوكبة كبيرة من الشهداء المسيحيين والمسلمين إغتيلوا بعد إستشهاد الحريري.

 

وتنظر الكنيسة المارونية بأمل ورجاء إلى قرار المحكمة الدولية اليوم وكل قرار يأتي بالعدالة، علماً ان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من أشدّ المطالبين بتحقيق دولي في إنفجار المرفأ، بينما عون والسيد حسن نصرالله من أشدّ الرافضين.

 

ومع دعوة البطريرك الراعي لإعلان حياد لبنان على بعد أيام من الإحتفال بالمئوية الأولى لولادته، تصرّ الكنيسة على معرفة الحقيقة في كل الإغتيالات التي حصلت في لبنان، وأن ينال المجرم، أياً يكن، العقاب، لأنها تعتبر أن الحقيقة والعدالة تخدمان لبنان والإنسان، فلا يجوز أن يسقط الشهيد تلو الآخر، سواء كان سياسياً أو من الشعب، والمجرم القاتل يفلت من العقاب.

 

وفي نظر الكنيسة إن عدالة الأرض مهمة جداً وعدالة السماء آتية لا محال، وبالتالي فإن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قد أتت بعد عجز القضاء المحلّي عن تحقيق العدالة في جرائم متتالية طبعت لبنان منذ ما بعد الإستقلال، لذلك فإن الشعب ينتظر الأحكام التي تصدر عن محكمة لاهاي والتي ستؤسس لمرحلة جديدة من العدالة لم تكن في السابق.

 

وتدعو الكنيسة الجميع إلى التعامل مع المحكمة لأنه لا مفرّ من العدالة، خصوصاً وأن حجم الشهداء الذين سقطوا في 14 شباط يحتاج إلى قرار كبير يكون بحجم التضحيات والدماء التي سالت، وبالتالي فإن البريء لا يخاف من المثول أمام العدالة، والمذنب هو من يهرب ولا يواجه.

 

وتلفت الكنيسة إلى أن كيفية التعاطي مع الحكم تعود إلى الرئيس سعد الحريري وأهالي الشهداء، علماً أن هذا الأمر قضية وطنية، لذلك فإنه علينا أولاً انتظار نتائج الحكم ومن ثمّ التعامل معه بالطريقة الأفضل خصوصاً وأن الرئيس الحريري صاحب تجارب في حماية السلم الأهلي والإستقرار.

 

يُعتبر اليوم يوماً مهماً في تاريخ لبنان مع إن الإتهام بات واضحاً في أي إتجاه سيذهب بعد جمع الأدلة، وكما أن الأنظار تتجه إلى الحريري فإنه من المهم رصد موقف رئيس الجمهورية وكيفية تعاطيه مع هذا القرار ومع ما سيحمله من تداعيات سياسية وأمنية على البلد.