IMLebanon

المحكمة الجنائية الدولية وهاجس الإفلات من العقاب

 

 

بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية استفاقت الأسرة الدولية على ما تخلل هذه الحرب من جرائم خطيرة فاقت التصور وطالت الأطفال والنساء وهزت ضمير الإنسانية بقوة. ان خطورة هذه الجرائم هددت الأمن والسلم في العالم.

ان ما اثار قلق المجتمع الدولي هو ان تمر هذه الجرائم دون عقاب على الصعيد الوطني إما لأن السلطات الوطنية لا تريد ملاحقة المجرمين وإما لأنها لا تملك القدرة اللازمة، من هنا جاء التفكير بضرورة اللجوء الى التعاون الدولي.

 

وبالفعل فقد تشكلت في العام 1993 محكمة خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب في يوغسلافيا، واخرى لمحاكمة مجرمي الحرب في رواندا في العام 1994.

وهذا ما دفع بالجهود الدولية في العام 1998 لإنشاء محكمة جنائية دولية وقد اقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع قرار لإنشاء هذه المحكمة بأغلبية 130 صوتاً مقابل 7 أصوات وامتناع 21 عن التصويت. وللتذكير نشير الى ان الدول السبع التي صوتت ضد المشروع هي اميركا، اسرائيل، الصين، العراق، اليمن، قطر وليبيا.

وهكذا تأسست المحكمة الجنائية الدولية في العام 2002 كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الإعتداء.

المحكمة هي منظمة دولية دائمة تسعى الى وضع حد لمسألة الإفلات من العقاب وهي اول هيئة قضائية دولية تحظى بولاية عالمية لمحاكمة مجرمي الحرب وقد قامت هذه المحكمة بالتحقيق في اربع قضايا هي: اوغندا، الكونغو، افريقيا الوسطى ودارفور. المحكمة هي هيئة مستقلة عن الأمم المتحدة من حيث الموظفين والتمويل ومركزها الرئيسي في هولاندا ولكنها قادرة على تنفيذ اجراءاتها في اي مكان بالعالم. وهي نظام قضائي مستقل عن محكمة العدل الدولية.

تعمل هذه المحكمة على تكملة عمل الأجهزة القضائية الوطنية بحيث انها لا تستطيع ان تقوم بعملها الا اذا وافقت المحاكم الوطنية او كانت هذه المحاكم غير قادرة على العمل، او لا ترغب في ذلك وهكذا تعتبر المحكمة الجنائية الدولية هي مكملة للولاية القضائية الوطنية.

تحال الدعاوى الى المحكمة في واحدة من الحالات التالية: اذا احالت الدولة الطرف الى المدعي العام لدى المحكمة حالة يشتبه بأنها جرم، او اذا باشر المدعي العام من تلقاء نفسه تحقيقا او اذا جاءت الإحالة من مجلس الأمن.

يقتصر اختصاص المحكمة على النظر بأشد الجرائم خطورة والتي تكون موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره مثل: جرائم الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب وجريمة العدوان.

تطبق المحكمة اولا نظامها الأساسي ثم المعاهدات ومبادىء القانون الدولي وان تفسير النصوص يجب ان يتلاءم مع مبادىء حقوق الإنسان.

تعتمد المحكمة مبدأ «شرعية الجرائم والعقوبات» لكن اختصاصها يتناول افرادا فقط ولا يطال الأشخاص المعنويين.

لا اختصاص للمحكمة بمحاكمة من هم دون 18 عاما ولا يعتد لا بالصفة الرسمية للشخص الملاحق ولا بالحصانات. واخيرا لا تسقط الجرائم بمرور الزمن.

لكن العالم الذي نعيش ينحاز الى القوي ضد الضعيف وينتصر بالمصالح لا للمبادىء. وهكذا نلاحظ ان المحكمة لم تنتظر طويلا لمباشرة التحقيق في جرائم اوكرانيا في حين انها انتظرت سبع سنوات للبدء بالتحقيق في جرائم الحرب في غزة 2014.

وثمة من يعيب على المحكمة اعتبارها ذات دور تكميلي طبقا لنظرية مبدأ التكامل كما انها لا تملك السلطة الفعالة لإلزام الدول بالتعاون معها خاصة من جهة تنفيذ اجراءتها. زد على ذلك ان الدول التي لم توقع قانون المحكمة ليست ملزمة بمراعاة نظامها.

لكن لا بد من اصلاح هذه العيوب لكي تتمكن المحكمة للقيام بدورها.

* مدعي عام التمييز سابقاً