إن المحكمة الجنائية الدولية تقاضي القادة العسكريين وكذلك السياسيين المتورطين، وتشمل صلاحيتها الجرائم المنصوص عليها في المادة ٥ من نظام روما، وهي:
«جرائم الإبادة الجماعية (إبادة جنس)، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، وجرائم العدوان»، ولكن تجدر الإشارة إلى أن جرائم العدوان أرجئ تعريفها، وبالتالي قبول الدعاوى بشأنها إلى حين الاتفاق على ذلك، حيث نصت الفقرة الثانية من المادة ٥ من نظام روما على أن المحكمة الجنائية تمارس الاختصاص على جريمة العدوان متى اعتمد حكم بهذا الشأن وفقاً للمادتين ١٢١ و١٢٣ يعرف هذه الجريمة ويضع شروطاً لكيفية ممارسة المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بها، وهو ما لم يحصل حتى الآن، لا سيما أن التعريف الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة ١٩٧٤ في توصيتها رقم ٣٣١٤ بقي حبراً على ورق، لأن التوصية غير ملزمة ولأن مجلس الأمن هو المرجع الوحيد في تحديد ما إذا كان التصرف يشكّل عدواناً يهدّد السلم والأمن الدوليين بموجب المادة ٣٩ من ميثاق الأمم المتحدة. ولذلك فبغياب التحديد الواضح والتحديد الصريح والجامع لجريمة العدوان يبقى مجلس الأمن المستبد الوحيد بتقرير هذه الحالة والمؤهل قانوناً بتقرير ما إذا كان الفعل المرتكب يشكّل جريمة عدوان أم لا.
من ناحية ثانية، فوفقاً للمادة ١٢ من نظام روما يمكن للدولة التي تصبح طرفاً في هذا النظام أن تحيل إلى المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية أيّ حالة تظن أن فيها جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة ٥ من النظام قد ارتكبت، ودون أن تكون هنالك علاقة مباشرة بين تلك الدولتين، ولكن بشرط أن تكون الدولة التي وقع في إقليمها الجريمة طرفاً في نظام روما أو قبلت باختصاص المحكمة وفقاً للفقرة ٣ من المادة ١٢ منه؛ أي باختصار أن تكون الدولة التي وقعت الجريمة على أرضها أو التي ارتكب أحد رعاياها الجريمة إما طرفاً بنظام روما أو قبلت بهذا الاختصاص، حيث تنص الفقرة ٣ الشهيرة من المادة ١٢ من نظام المحكمة: إذا كان قبول دولة غير طرف في هذا النظام الأساسي لازماً بموجب الفقرة ٢، جاز لتلك الدولة بموجب إعلان يودع لدى مسجّل المحكمة أن تقبل ممارسة المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث، وتتعاون الدولة القابلة مع المحكمة وفقاً للباب ٩ الذي يبحث في التعاون الدولي لقمع الجرائم.
من هنا، يجوز لأي دولة طرف بنظام روما أن تتقدم بإخبار حول جرائم الحرب والإبادة وضد الإنسانية التي ارتكبتها إسرائيل، حتى تفسح المجال للدولة الفلسطينية التي لها صفة عضو مراقب، وذلك لتعلن الأخيرة قبولها بممارسة المحكمة الجنائية الدولية صلاحياتها، واستطراداً أكثر، يقتضى الأخذ بعين الاعتبار أن الدولة الفلسطينية قد انضمت مؤخراً لنظام روما ولو لم تكن لديها صفة العضو الدائم، وباستطاعتها التقدم مباشرةً بالإخبار للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
من جهة أخرى، فللمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن يباشر بموجب المادة ١٥ من نظام روما، التحقيقات من تلقاء نفسه، على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم إسرائيل في غزة، والتي تدخل في اختصاص محكمته، لا سيما أن الدولة التي وقع في إقليمها الفعل الجرمي والتي هي الدولة الفلسطينية (العضو المراقب) طرفاً في نظام المحكمة، مما يمكن المدعي العام من ملاحقة القادة الصهاينة جميعاً، وكذلك كل ممولي الكيان الصهيوني بالسلاح المحرّم دولياً وبالأموال الطائلة، لا سيما أولئك عندما تكون دولهم أطرافاً في نظام المحكمة أو من المسهلين لارتكاب جرائم المادة ٥ من نظام روما.
ختاماً، صحيح أن المحكمة الجنائية الدولية لا تملك قوات خاصة تمكنها من اعتقال واستجلاب نتنياهو وقادته العسكريين، لا سيما لأن دولتهم ليست طرفاً في نظام المحكمة، ولكن إسرائيل صادقت على اتفاقية جنيف الرابعة تاريخ ٦ تموز ١٩٥١ وصادقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تاريخ ٣ تشرين الأول ١٩٩١ وهي طرف بالاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري الموقّعة في ١٢ كانون الأول ١٩٦٥، وطرف في اتفاقية القضاء على التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية الموقّعة في ١٠ كانون الأول ١٩٨٤، وعضو في اتفاقية حقوق الطفل تاريخ ٢٠ ت٢ ١٩٨٩، وموقعة على اتفاقية منع الإبادة الجماعية.
وبالتالي في حال تمّت المحاكمات وصدرت مذكرات التوقيف الدولية ومن ثم الأحكام الغيابية، فعلى الأقل سيحرم القادة الإسرائيليون المتهمون والمحكومون من زيارة الدول الأخرى، خشيةً من تسليمهم إلى المحكمة الدولية وإنزال العقاب بهم، ناهيك عن تضرر صورة وسمعة الكيان الغاصب أمام المجتمع الدولي، ولذلك نطالب الدولة الفلسطينية (المعترف بعضويتها كمراقب)، ودولة الحريات دولة جنوب إفريقيا وإيرلندا وسائر أحرار العالم بتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي الإنساني بشكل مفصل، وذلك بهدف استخدامها عند أول فرصة سانحة للإدّعاء على إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية، التي يخشاها نتنياهو ورفاقه المجرمين في مجلس حربهم على الإنسانية.