ومهما عصفت الخلافات بين واشنطن وتل أبيب، إلّا ان السوبرمان الأميركي يبقى في مقدمة المدافعين عن فلذة كبده وصمّام أمانه الكيان الصهيوني الذي أنجبته بريطانيا ووضعته في مصاف الحاكم الغاصب الجائر المستبد في فلسطين، فنكبها وقتل عشرات الآلاف من أهلها وهجّر ما تبقّى، وكل ذلك لعلمه الشديد بالموقع الجيوسياسي الهام لبلاد المسيح، ولأهميتها الشديدة بالنسبة لرغبته مع أميركا في السيطرة على مقدرات وثروات بلدان الشرق الأوسط عبر نهبها وإشعال الحروب الطائفية فيها فذلك يسهّل تحقيق المراد بنجاح تام. من هنا ولأن بطولات الغزاويين ذاع صيتها في مختلف عواصم العالم خصوصاً الغربية منها من خلال التظاهرات الأبيّة المؤيدة لصناديد غزة وفلسطين، ولأن أبناء جماهير شعبنا المقاوم في فلسطين صمدوا لأشهر طويلة كان ذلك الإنتصار «التظاهرات» وهنا ينبغي التنويه بتظاهرات الجامعات على مستوى الطلاب والمدرّسين إن في أوروبا أو أميركا وكل صروح العلم في مختلف أرجاء المستديرة.
كما ان الحركة الصهيونية هي خير من يعلم بأهمية العمل الإعلامي ودوره عندما تكون الساحات السياسية والعسكرية ملتهبة، فكيف إذا كان ذلك الإعلام يمنح شهادات حسن سلوك لكل مقاوم في خندقه ولكل شهيد ثائر في قبره، وإسرائيل والنيوليبرالية هما من كانتا تعوّلان على حروبهما في المجال الإعلامي. ان أطفال فلسطين يحتضنون الشهادة بكل عزم لا يعرفون اللين في مقابل تمكّنهم من ليّ أذرع ثقافة المستعمرين. ما من أرضٍ في الدنيا أُعطت كما أُعطت فلسطين الحبيبة وما من شعب دافع عن أرضه الخصبة بعزم وجدٍّ بعيداً كل البُعد عن كل أشكال الكلل والملل والقنوط والبؤس والتعاسة، كما فعل شعب فلسطين العظيم. لقد ظفر هذا الشعب بالشهادة وكل عوارض انتصاراتها. ووضعت على رأسه أكاليل الغار ولبس عباءة الفخر وقبّل الجهاد وجيده، ولم يرتدِ ولو يوماً في حياته رداء فيه أريج وصمة العار النتن. فالمقاومة بالنسبة إليه ليست جرس إنذار يرنّ أو ناقوس خطر يدق، أما طبول حرب عندما تقرع فهي تناشده قائلة إحمل بندقيتك واتبعني، فالنصر سيكون من نصيبك، لن يخيب ظنّك تعال. لقد شكّل قرار المحكمة الجنائية الدولية الساعي لمحاكمة قادة إسرائيل التي تجمعها علاقات خاصة بواشنطن، حيث تعتبر هذه هي المرة الأولى التي تسعى فيها المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة حليف لأميركا. وسبق لواشنطن أن دعمت جهود الجنائية الدولية في حالات انتهاكات سابقة متعلقة بصربيا وروسيا والسودان وغيرها، لكن بالنسبة لإسرائيل تقول لكم واشنطن لا تقتربوا. وينتقد الرئيس جو بايدن وكبار أركان إدارته موقف المحكمة الجنائية الدولية ونيّتها إصدار مذكرات إعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت. ومن جانبه، حذّر ريتشارد غولدبرغ الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات والمسؤول السابق في مجلس الأمن القومي، مشيراً إلى ان واشنطن قد تكون الهدف التالي للمحكمة. واتهم السيناتور الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية ليندسي غراهام المحكمة الجنائية الدولية بتضليله وزملائه في الكونغرس بشأن خطط المحكمة وقال: أريد أن يدرك العالم أنني وزملائي الجمهوريين والديمقراطيين وأعضاء الإدارة تباحثنا مع المحكمة الجنائية الدولية في هذه القضية قبل أسابيع، وقيل لنا أنه ستكون هناك مناقشات مع إسرائيل قبل اتخاذ أي إجراءات، كما تعهد رئيس مجلس النواب مايك جونسون بتصويت المجلس على فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، حيث يتوقع أن يتم التصويت. كما يرجّح أن يقسم التصويت الحزب الديمقراطي بين مؤيد ومعارض للقرار. وانتقد بن رودس مستشار الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في تغريدة له موقف إدارة الرئيس بايدن وقال لا يوجد شيء اسمه نظام دولي قائم على القواعد إذا كانت القواعد تنطبق فقط على الأشخاص والبلدان التي لا تحبها. كما غرّد نائب رئيس معهد كوينسي بواشنطن تاريتا بارسي على موقع «اكس» مهاجماً بيان بلينكن ووصفه بالبيان المخجل والمعيب بسبب رفضه أوامر المحكمة الجنائية الدولية لنتنياهو وغالانت، وقال لقد بات جليّاً أن فكرة بلينكن عن النظام القائم على القواعد تعتمد على تحكّم الولايات المتحدة فيه، وليس نظاماً تخضع فيه جميع الدول بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة للقواعد على قدم المساواة. ويذكر ان معارضة واشنطن للمحكمة الجنائية الدولية قد وصلت إلى ذروتها خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب حيث هدّد مستشار الأمن القومي جون بولتون بفرض عقوبات على القضاة والمدّعين العامين في المحكمة إذا شرعوا بالتحقيق في ما قالت عنه المحكمة ان أفراداً في الجيش الأميركي ووكالة الاستخبارات ارتكبوا جرائم حرب بتعذيب المعتقلين في أفغانستان عام 2016. وقال بولتون أن واشنطن ستمنع قضاة المحكمة ومدّعيها العامين من دخول أرضها، وأضاف: سنعاقب أموالهم في النظام المالي الأميركي.