Site icon IMLebanon

لماذا لبستَ القميص يا جورج؟

 

 

لو كان وزير الخارجية وحده أداة «الثنائي» في تراجع الحكومة عن طلبها من «المحكمة الجنائية الدولية» التحقيق في جريمة قتل إسرائيل المتعمّد للزميل المصوّر عصام العبدالله، لربما التزمتُ الصمت وأمسكتُ عن نقدٍ راقٍ أو أدنى تجريح، ليس لأنّ عبدالله بو حبيب ضيّق الصدر إزاء التصويب على التباساته وسقطاته، بل لأنّه برهن عن نهج ثابت في خدمة «الثنائي». لكن أن يكون صاحب المبادرة في الطلب من مجلس الوزراء اتخاذ هذه الخطوة المشينة هو وزير الشباب والرياضة جورج كلّاس، فالمسألة تحتاج الى وضع النقاط على الحروف، كوننا نصنّفه مثقفاً حرَّ الضمير وليس سياسياً في بلاط زعيم.

 

لم أصدّق للوهلة الأولى أنّ الدكتور كلّاس تطوّع لتقويض مسعى إدانة الإجرام الإسرائيلي أمام محكمة طالما ناشدناها التحقيق في مجازر الدولة العبرية في حق شعبنا والشعب الفلسطيني، ولأنّ «الانحراف المهني» عوّدني التأكد من مصدرَين، قلت إنه عليّ العودة إلى هذا التقليد تجنّباً لأخذ الناس بالريبة والانحدار إلى مستوى «السوشال ميديا»، ففوجئت بقرارات مجلس الوزراء تقطع الشك باليقين، وبتصريح تلفزيوني للوزير حجّتُه فيه أنّ زملاءه الكرام لم يعترضوا على دسيسة دعاه إليها الرئيس ميقاتي عنوانها: «عندك شي يا جورج؟».

 

خلاصة الموضوع أنّ الحكومة الميقاتية كانت تشجّعت بغفلة من جُبن، فطلبت من «الجنائية الدولية» وضع يدها على جريمة تفضح عدوانية إسرائيل من على أرفع منبر جنائي دولي لم تعترف به يوماً، لكن «بعد السكرة أتت الفكرة»، فانتبه «حزب الله» وتوأمه السيامي إلى أنّ هذه المؤسسة الدولية التي سجّلت خرقاً الشهر الماضي باتهام رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه بجرائم حرب، لم توفّر السنوار وهنية، فخشيا أن تطالهما بمبدأ التوازي، وأن تتوسّع الى ملفات أقفلاها بالقوة، وتطيَّرا من إمكان تطبيقها معايير تدخلهما في قفصها. وهكذا تولّى ميقاتي بشطارته المعهودة معالجة «خطل» وقعت فيه حكومته. ومَن أوْلى من «مسيحيي الخدمة» بهذه المهمة؟

 

كنت أفهم لو تولّى وزير عوني وقح أو آخر ممانع لبِسَ وجهه على قفاه التصدي لمبدأ المحاسبة. فالطرفان تحت غربالها لو حصلت. ولا غرابة، فمن ضرَب عرض الحائط بمحكمة دولية بقضّها وقضيضها، و»قبَع» التحقيق بجريمة المرفأ، لن يصعب عليه وقف التكليف الحكومي للجنائية الدولية. أما أن يبادر الدكتور كلّاس إلى تلك الخطوة المعيبة، فذلك ما يجعلني مضطراً لمصارحته.

 

دكتور جورج، أنت صاحب مسيرة أكاديمية محترمة. ويشهد كل من زامَلك أو تتلمذ عليك أنك تملك من الأخلاق الشخصية والعائلية والمهنية ما لا تتمتّع به إلّا قلّة. حين حصلتَ على الوزارة برّرنا دخولك إلى هذه الجوقة المعروفة التركيب والتاريخ الموصوم بتدمير الدولة واستباحة السيادة وودائع الناس، بأنّ طموحك الشخصي حقٌ بديهي وضعف إنساني مشروع. تجاوزنا قبولك بوزارة لا تَفقَه فيها لعلمنا بتوازنات التشكيل، حتى أنّ أداءك دوراً في تأمين النصاب الوزاري مراراً حسب رغبات «مايسترو التعطيل» اعتبرناه جزءاً من واقع اللعبة السياسية. احترمنا شخصك وأخلاقك وعلمك وتعفَّفنا عن مساءلتك عن غياب المواقف الوطنية في القضايا الاستراتيجية. لكننا نرفض أن تكون صدى لصدى، خصوصاً أنك لبستَ بكامل رضاك قميصاً وسخاً يبدو أنّ من يليق بهم ارتداؤه من جلسائك في السراي ترفّعوا عنه.

 

صديقي دكتور كلّاس أكاديمياً وثقافياً وإنسانياً، يؤسفني أنك تنهي مسيرة مشرقة بخطوة معتمة. احترامي لك لن يتغيّر، لكن راجِع نفسك. أيستحق لقب وزير بين مجموعة متآمرة وفاشلة هذا التنازل الكبير؟