لا شك ان العالم مقبل على ازمة نقدية ومالية منتظرة بالملامح الواضحة وتبدأ بفقدان الدولار دور العملة العالمية المعتمدة لتمويل 60% من التجارة العالمية ونسبة موازية من الاحتياطات المكونة لدى البنوك المركزية في العالم الصناعي وخاصة في الصين التي تشهد ازمة تعصف بالقطاع العقاري والتي قد تحد من نمو الصين لسنوات.
حينما نلتفت الى الوضع الاوروبي نجد بداية ازمات متعددة، اولها تفشي حاجة الاوكرانيين حيث الاقتصاد لا ينمو ويشكو من تعثر الانتاج ودمار اجزاء من البنية التحتية كما ان المساعدات الاميركية والاوروبية قد تنضب بسبب مواقف سياسية اتقائية تفرض على الولايات المتحدة تخصيص نسبة اكبر من مساعدتها لاسرائيل التي خسرت نسبة 20% من دخلها القومي، واهم من ذلك خسرت نسبة 20% من سكانها المقتدرين بسبب تخوفهم من المستقبل.
اوروبا الغربية تشكو من تدني مستويات تطور غالبية اقتصاداتها والحاجة لضبط التضخم تؤدي الى المحافظة على فوائد مرتفعة وبالتالي تتخطى معدلات النمو وقد حذرت السيدة لاغارد رئيسة صندوق النقد الاوروبي من هذه القضية منذ اكثر من سنتين.
جميع المراقبين الجديين يتخوفون من انحسار الاقبال على الدولار سواء لتمويل التجارة الدولية، او اعادة بناء اضرار حرب اوكرانيا، ومن ثم تامين حاجات اعادة بناء غزة والتوصل الى حل معقول يعيد امكانية التعايش الفلسطيني-الاسرائيلي بسلام لعقود ستنقضي قبل استعادة مستويات النمو وتعدد وسائل الانتاج وفرص العمل النافع للافراد والدول المعنية.
حيث توقعات النمو محافظة ومع استمرار محاولات منافسة دول مثل الصين، والهند وروسيا سواء للسوق الاوروبي او الاقتصاد الاميركي ستنحسر معدلات النمو والكفاية، وتأثير توسع استعمالات برامج «الذكاء الاصطناعي» لا بد وان يؤدي الى زوال الحاجة لبعض مجالات التصنيع وقد يدخل مخاطر غير مقدر ان تتوافر وان كنا نشهد تطورات مخيفة سواء على مستوى تعطيل مفاعيل بعض البرامج او تطوير برامج تؤثر على المنافسة الدولية لتامين الحاجات المتزايدة سواء على مستوى توافر الغذاء، تطور وسائل التعليم، انضباط العلاقات الدولية الخ وربما المثل التالي يوضح الى حد ما اسباب استشعار تباطؤ معدلات الانتاج والمبادلات الدولية.
لقد بدأنا نشهد تأثيرات اعتماد السيارات الكهربائية والسيارات الهجينة، والانتاج العالمي للسيارات انحسر بنسبة 30% ويرجح ان ينحسر بنسبة اكبر عام 2024 وهنالك سؤالين جوهريين يحتاجان الى تقييم جدي: هل هنالك موارد مالية لانجاز محطات انتاج للكهرباء تعمل على الغاز وان لم تتوافر الموارد – والتي يحتاج تحقيقها لسنوات – فهل تكفي محطات انتاج الكهرباء عالميًا علمًا بان العديد من البلدان النامية لا تحوز انتاج كهربائي يعزز امكانات النمو وارتفاع معدلاته؟
سؤال يطرح نفسه: استبدال السيارات الكهربائية والهجينة بالسيارات المسيرة على البنزين والمازوت حاليًا، ولا زالت هذه السيارات والشاحنات التي نعرفها تشكل 9 اضعاف انتاج السيارات المناسبة للبيئة، وكيف لنا ان نعالج ما يمكن تسميته مجازًا بالسيارات المهترئة الاستعمال، وهل بإمكان العالم تحمل عمليات الغاء السيارات العاملة حاليًا على البنزين والمازوت والباصات والشاحنات التقليدية، والى اي حد التخلص من السيارات الحالية غير الكهربائية والهجينة، بمعدل يساوي على سبيل المثال 10 ملايين سيارة سنويًا ممكن دون التأثير على اختصار صناعات اخرى.
ان المخاوف البيئية بالتأكيد تفرض تخفيض عدد السيارات المسيرة حاليًا من غير فئات السيارات الكهربائية والهجينة وحينئذٍ ستكون لدينا مشكلة معالجة بقايا محركات هذه السيارات وكلها تحوي الحديد والألمنيوم والبلاستيك والبطاريات بما تحوي من مواد سامة ومضرة…ان العالم الحديث عليه ان يطور برامج تكفل عدم زيادة التلوث على اقل حد، لكن العملية واكلافها بسبب اعداد السيارات والشاحنات ستواجه العالم الحديث بمشكلة قد لا تتوافر الموارد المالية والبشرية لحلها.
على صعيد آخر وربما بأهمية اكبر تحول التجارة العالمية الى كتلة البلدان الشرقية والتي قد تستوجب سنوات لان حجم التجارة الدولي للصين، والهند، وروسيا يتجاوز بنسبة كبيرة حجم التجارة العالمية ما بين الولايات المتحدة، والسوق الاوروبية وبقية العالم النامي بصورة خاصة، واذا لم يطور المجتمع الدولي المعالجات المطلوبة قد تكون تطورات المائة والعشرين سنة المنقضية اقل اهمية مما علينا انجازه، اذا اردنا المحافظة على مستويات معيشة البلدان الصناعية وتحقيق معدلات نمو لبقية العالم الذي كان يتطور بسرعة تفوق سرعة تطور ونمو الاقتصاديات المعروفة والتقليدية مثل انتاج الولايات المتحدة، كندا، السوق الاوروبي واليابان.
خلال السنتين المنصرمتين تحقق النمو بوتيرة سريعة في منطقة الخليج العربي، وتعددت المشاريع الحيوية في بلدان الخليج والتي يمكن تصور تطورها مع انقضاء السنوات العشرة المقبلة، فلا شك ان اعداد العمال والفنيين المطلوبين للانضمام الى فرق العمل في دبي، والامارات العربية والسعودية، وبرامج تطوير اليمن المنتظرة والتي لا بد من تحقيقها تستوجب آلاف من اصحاب الاختصاص من الباحثين عن فرص عمل جيدة ومجدية لمستقبلهم.
بالتأكيد ستتوافر فرص عمل في بلدان الخليج العربي، لكن معدل زيادتها لن يكون كما حدث في العقد المنصرم فهنالك توسع عمل ونشاط النساء في الخليج العربي، وشرط تحقق سيادة العلاقات الصحية والضرورية بين بلدان الخليج وايران، وضبط الحوثيين وتصرفاتهم انطلاقًا من اليمن، يمكن ان تسهم في النمو المتوقع، لكن اعتماد وسائل العمل الحديثة سواء في مجال النقل البحري، او تحقق اجزاء من طريق الحرير، ولنذكر ان للصين والسعودية مرفأ صناعي على مقربة من مدخل البحر الاحمر والذي يواجه تحديات الملاحة في تلك المنطقة من قبل الحوثيين، ولا يمكن مع انكماش حركة التجارة العالمية تقبل انحسار حرية الملاحة في تلك المنطقة وتأثير ذلك ليس فقط على السعودية واليمن، بل ايضًا على شرق الحبشة وعلى منطقة سياحية حيوية لمصر والحاجة ملحة لتحقيق اوضاع مستقرة في المنطقة لمنفعة جميع الدول المعنية.
سنة 2024 ستكون سنة تحدي المصاعب وسنة تحقيق تقدم تقني وقانوني وضبط لمخاطر تعريض بلدان المنطقة لحروب صغيرة او حرب متوسعة…فعسى خيرًا لان المؤشرات غير مشجعة.