مع تقدم الحديث عن هدنة طويلة الأمد وصفقة تبادل في غزة بات لبنان محجة للمسؤولين الغربيين، الأوروبيين والأميركيين في المستقبل القريب لمحاولة البناء على الهدنة للوصول الى حل يضمن انطفاء الحريق على الجبهة الجنوبية في لبنان، فبعد زيارة وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون إلى بيروت، وحمله لمقترح بريطاني قوامه تطبيق الـ 1701 وإنشاء أبراج مراقبة للجيش اللبناني بشكل شبيه بما حصل على الحدود الشمالية، يزور لبنان بداية الأسبوع المقبل وزير خارجية فرنسا الجديد ستيفان سيجورني للبحث بكيفية وقف الحرب والتشديد على انتخاب رئيس للجمهورية، وبعده ربما يكون زيارة للمبعوث الأميركي آموس هوكستين الذي يزور تل ابيب مطلع الأسبوع المقبل أيضاً.
حتى الساعة لا تزال جميع الطروحات التي تنقل إلى المسؤولين اللبنانيين،عبر الموفدين الدوليين، تصب في إطار البحث عن كيفية تجنب توسيع رقعة الحرب، لكن من منطلق أن هناك حاجات أمنية لإسرائيل من المفترض تلبيتها، متجاهلين الخروقات التي كانت تقوم بها اسرائيل على مدى كل السنوات السابقة التي تلت صدور القرار الدولي 1701 الذي أوقف الاعمال العسكرية الحرب عام 2006 في الجنوب.
الطابع الغالب لهذه الطروحات هو تهويلي وتحذيري، من منطلق أن تل أبيب، في حال لم تحصل على ما تريد، قد تذهب إلى شن عدوان على لبنان، خصوصاً إذا ما نجحت في الحصول على تهدئة في قطاع غزة، في ظل المعلومات عن تقدم في المفاوضات على هذا الصعيد.
في هذا السياق، لا يزال رد “حزب الله” كما هو، منذ اليوم الأول لإنطلاق هذه الطروحات، بأن البحث في أي أمر لا يمكن أن يحصل قبل وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ولأجل ضمان الامن والاستقرار في الجنوب يجب أن تكون الطروحات متوازية وعادلة، فالتهديد على الحدود متبادل، والجنوبيّ لا يقلّ قيمة عن المستوطنين في شمال فلسطين المحتلة.
مفهوم حجم الاهتمام الأوروبي بمنع التصعيد والحرب، فالأسباب لا علاقة لها بلبنان وسلامته وشعبه، فما يهم الأوروبيّ في هذه الظروف هو أمران اثنان، بحسب مصادر متابعة، الأمر الأول يتعلق بملف الغاز الذي تنتظره الدول الأوروبية من دول البحر المتوسط للاستعاضة عن الغاز الروسي بظل ما يجري في القارة العجوز، وهنا يعلم الأوروبيون أن اندلاع الحرب في المنطقة سيقضي على كل قطرة غاز تُستخرج من البحر، وسيكون الغاز الفلسطين الذي تحتله اسرائيل بمهب الريح، وهنا وصلت رسائل حاسمة في هذا السياق بحال اندلاع الحرب.
أما الأمر الثاني فهو مسألة النازحين السوريين، حيث ترغب الدول الأوروبية بإبقائهم في لبنان ومنعهم من ركوب البحر بهجرة جماعية على الشواطىء الأوروبية، وهم يعلمون أن أي حرب واسعة في لبنان ستعني فتح البحر أمام هؤلاء، لذلك يهتم الأوروبي بعدم توسعة الصراع في الشرق الأوسط.
من هذا المنطلق ترى المصادر أن الطروحات التي تصل الى لبنان، وإن كانت ببعض جوانبها جيدة على المدى الطويل، ولكن لكي تنجح عليها أن توائم بين الطرفين، لا أن تكون لمصلحة اسرائيل على حساب لبنان واللبنانيين. من هنا تقرأ المصادر الطرح البريطاني الذي يتحدث عن نصب أبراج ونقاط مراقبة مجهّزة بأجهزة رصد وتتبّع حديثة، على جانبي الحدود بأنه بداية جيدة، على أن يتم التروي لمعرفة تفاصيل المقترح بشكل دقيق، خاصة أن الشياطين تكمن في التفاصيل.
تكشف المصادر أن الأيام المقبلة حاسمة وحساسة للغاية بما يتعلق بالصراع في الشوق الأوسط، ففي حال نجحت الهدنة ستكون هناك فرصة للدبلوماسية للتدخل والوصول الى حلول، وعلى هذا يعتمد هوكستين، ولكن بحال فشلت فإن المنطقة ستكون مقبلة على أيام أصعب.