كثرةُ الزيارات والموفدين الدوليين إلى لبنان، وتزامنُها مع الحوار الذي سيبدأ بين تيار «المستقبل» وحزب الله، تؤشّر ابتداءً إلى إحاطةٍ دولية ـ إقليمية مستمرّة للوضع اللبناني، لكنّها لن تكون كافيةً إذا ظلّ الواقع الداخلي مقيماً في المراوحة والفراغ والانتظارات الصعبة.
قبل أيام جاء موفد الرئيس الفرنسي فرنسوا جيرو في مهمة استكشافية، وزار لبنان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، وأمس حلّ رئيس مجلس النواب الإيراني علي لاريجاني ضيفاً على لبنان.
كلّ هذه الزيارات تأتي في توقيت دولي ـ إقليمي يشتدّ، وتعكس حرصاً على الاطّلاع عن قرب على «الواقع اللبناني» المرتبط أساساً بالتعقيدات الإقليمية والاشتباك المفتوح على مساحة المنطقة.
وفي المعطيات أنّ أحداً لم يحمل مبادرةً محدّدة، باستثناء ما طرحَه الضيف الفرنسي من تشجيع للحوار، ومحاولات لتحريك ملف رئاسة الجمهورية ووضع مواصفات الرئيس التوافقي، والعمل مع طهران والرياض على تذليل العقبات امام اللبنانيين في ملفات حيوية وأساسية، أبرزُها ملف الرئاسة أوّلاً، وبعدها ينتقل النقاش الى رئاسة الحكومة، والحكومة، وقانون انتخاب جديد.
الضيف الروسي لم يحمل معه مبادرةً محدّدة، اكتفى بوغدانوف بالاستماع إلى كلّ مَن التقاهم، وقد قدّم عرضاً موسّعاً حول رؤية روسيا للحلّ السياسي في سوريا، والجهود التي تبذلها موسكو في تشجيع السوريين على الحوار والحلّ السياسي للأزمة دون تدخّلات خارجية.
أمّا الضيف الإيراني، فزيارته تقع في المعطى الاستطلاعي، إضافةً إلى تأكيد دور إيران في كلّ الإقليم وأهمّية هذا الدور في إرساء الاستقرار والمساعدة في مواجهة مختلف المخاطر التي تواجهها المنطقة، وأبرزها ملف «مكافحة الإرهاب».
إلى ذلك، تكمن أهمّية الزيارة في أهمّية الضيف بحدّ ذاته، فهو كان ممسكاً بملف المفاوضات النووية، وأحد أبرز أركان الحكم والقرار في الجمهورية الإسلامية، وهو مطّلع جدّي على مجمل الملفات الاقليمية ومنها الملف اللبناني الذي تولِيه طهران أولوية استثنائية.
تقاطعَ الضيوف الثلاثة على تشجيع الحوار بين الاطراف اللبنانية، ودعم الجهود الداخلية الرامية إلى الحفاظ على الأمن اللبناني والاستقرار والسِلم الأهلي. ثمَّة مخاطر تتهدّد لبنان، ويبدو أنّ هذه «الصحوة» الدولية ـ الإقليمية تصبّ في منع الانفجار والعمل على تقصير عمر الفراغ الرئاسي، والدعوة الى ترك الخلافات، والتقارب والتفاهم والحوار حول القواسم المشتركة ونقاط التوافق.
السِمة المشتركة لكلّ الحضور الدولي والاقليمي في لبنان تقف عند حدود الحوار. ليس في وسعنا القول إنّها ظلّت في «العموميات»، لكنّها لم تلامس حتى الآن جوهر المشكلة اللبنانية المركّبة، والتي يقع جزء وافرٌ منها ضمن القضايا والسياسات الخارجية، لكنّ أوساطاً مطّلعة تشير إلى «وجود إصرار عند مختلف «الزوّار» على منع الانحدار نحو الأسوأ، ودعم الحكومة والمؤسسات الأمنية والعسكرية، وإعطاء ضوء أخضر للتواصل والحوار».
تشارف «السَنة السياسية» اللبنانية على الانتهاء، وقد سجّلت كثيراً من التطوّرات والأحداث. ربّما يكون تشكيل الحكومة الحاليّة أبرز التطوّرات، والمعركة المستمرّة التي يخوضها الجيش اللبناني ضدّ الإرهاب أبرز الأحداث، ورغم عدم وجود رئيس جديد للجمهورية استطاع لبنان تجاوزَ كثيرٍ من المخاطر والألغام، وهذا ما يؤكّد أنّ القرار الخارجي لا يزال عند حدود «رعاية الانقسام والتعايش ضمن الحكومة» دون الولوج جدّياً في معالجات جذرية.
لو أنّ الأوضاع على ما يُرام لما كانت «عجقة الزوّار» هذه. صحيحٌ أنّ لبنان لا يزال خارج دائرة النار المندلعة في الإقليم، لكنّه اكتوى بهذه النار أكثر من مرّة، ولا تزال المخاطر ماثلةً على الحدود وفي الداخل.
من الألغام التي لا يبدو أنّها تشغل بالَ الخارج كثيراً، لغم «النازحين» السوريين الذين أصبحوا يشكّلون ثلثَ سكّان لبنان ويهدّدون الصيغة والتركيبة اللبنانية وبالتالي كلّ الكيان اللبناني. وهذا المحَكّ هو الأصعب والأخطر على صعيد المشاريع المطروحة إقليمياً، فضلاً عَن حال الضعف والتشتّت والانقسام التي تُصيب كيانات سياسيّة أكبر من لبنان.