في مستهل الكلمة التي ادلى بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد جلسة مجلس الوزراء امس، تلقيه مكالمة هاتفية من وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن اكد له تضامنه مع لبنان وسعيه «بكل جهد» لوقف النار. بيد ان ما انتهت اليه الجلسة المغلقة لمجلس الامن، بعد تلك العلنية الخميس، افصحت عن موقف معاكس تماماً لما اسرّ به بلينكن. لم يملك مجلس الامن سوى التوافق على التنديد بـ»حادث» الاعتداء على القوة الدولية في الجنوب في واحد من ايام المجازر الاسرائيلية المتوالية.
حينما استقبله ميقاتي في 4 تشرين الاول في السرايا، بدا وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي كأنه يقدّم اليه هدية ثمينة نادرة عندما اخبره ان بلاده تسعى الى حملة ديبلوماسية دولية من اجل لبنان، وتريد عقد اجتماع لمنظمة المؤتمر الاسلامي. في اللقاء لم يتردد ميقاتي في التعقيب بعدما اكد تمسّك لبنان مجدداً ببيان نيويورك الصادر في 26 ايلول: «يكفينا بيانات دعم وتنديد. اجتمع مجلس الامن مرتين بلا نتيجة. اجتمعت الجامعة العربية على مستوى المندوبين فلم تكن احسن حالاً. فشل مؤتمر الفرنكوفونية في ادانة اسرائيل لأن كندا رفضت. شبعنا مؤتمرات غير مجدية وكلاماً وتنديداً. من دون وقف للنار لا معالجة للحرب”.
وصل الى المسؤولين الرسميين تقرير ديبلوماسي بمداولات الجلسة المغلقة لمجلس الامن الخميس بعد تلك العلنية على الشاشات. فيها طرحت فرنسا تبنّي صدور بيان عن المجلس يتناول الاعتداء الاسرائيلي على مواقع القوة الدولية في الجنوب في وقت سابق من اليوم نفسه. تلقفت الجزائر الاقتراح وطلبت تضمينه فقرة عن حماية المدنيين ووقف الهجمات الاسرائيلية وتنفيذ القرار 1701 واحترامه ببنوده كلها رفضتها الولايات المتحدة، مقرنة موافقتها على البيان بقصره على اليونيفيل فحسب.
في الاقتراح الفرنسي إعراب أعضاء مجلس الامن عن قلقهم من حوادث التعرض لمواقع القوة الدولية في الجنوب وجرح اثنين من افرادها، وتشديدهم على الافرقاء جميعاً ضمان سلامة الجنود الدوليين وامنهم، مع تأكيد دعم اليونيفيل ودورها في تعزيز الاستقرار الاقليمي. اما الاقتراح الجزائري المُعدِّل للاقتراح الفرنسي فأضاف فقرة الاعراب ايضاً عن القلق العميق لما يتعرض له المدنيون وآلامهم ودمار البنى التحتية المدنية والعدد المتزايد للنازحين. كما دان اجتياح لبنان، ودعا الى الانسحاب الفوري للقوات الاسرائيلية منه واحترام سيادته وسلامة اراضيه، والى وقف فوري للنار والتطبيق الكامل لقرار 1701 (2006).
في أبرز ما تناولته مواقف ممثلي الدول المشاركين في الجلسة المغلقة:
ـ تحدّث المندوب الفرنسي عن استمرار تدهور الوضع في لبنان وضرورة اتخاذ مجلس الامن موقفاً منه، مشدداً على استعادة لبنان استقراره، متطرقاً الى الجهود التي يبذلها الرئيس ايمانويل ماكرون، كي يخلص الى طلب اتخاذ موقف من الاعتداء على الجنود الدوليين وقيادتهم والتضامن معهم.
ـ انضم الى الاقتراح المندوب الجزائري بدعوته مجلس الامن الى تحمّل مسؤولياته. وطلب ادخال تعديل عليه يقضي بعدم اقتصاره على حادثة مقدار استجابته تدهور الوضع برمته في لبنان، قبل ان يختم ان حماية اليونيفيل «تستحق التضامن معها لكن كذلك الشعب اللبناني. اوقعت حادثة اليونيفيل اصابتين من جنود قوات حفظ السلام فيما الغارة الجوية الوحيدة لهذا اليوم (امس على بيروت) تسببت بمقتل 22 مدنياً واصابة 180 آخرين». قال اخيراً ان حكومته لن تقبل بياناً لا يأخذ في الاعتبار «جوانب الازمة كلها”.
ـ اظهر مندوب كوريا قلق بلاده حيال ما يجري في لبنان، مشدداً على ان وحدة مجلس الامن مهمة بالنسبة اليه الآن، مع دعمه اليونيفيل و»ردع اسرائيل عن تكرار الحادث”.
ـ توقفت مندوبة روسيا عند مضمون الدعوة الى الاجتماع وهو مناقشة الوضع في لبنان و»ليس حادثة اليونيفيل، اذ سيكون غريباً بعد اجتماعات للمجلس من دون تبنّي نص، التوصل الى بيان يعبّر عن التضامن مع اليونيفيل فقط ولا يشمل الشعب اللبناني”.
ميقاتي لوزير الخارجية الايراني: شبعنا كلاماً وتنديداً ومؤتمرات غير مجدية
ـ لاقى مندوب الصين نظيره الجزائري بدعم اقتراحه بالقول انها «المرة الاولى يتحدث فيها مجلس الامن عن تصاعد العنف في لبنان، ومن المهم تجاوز حادثة اليونيفيل». دعا كذلك الى تحميل الجيش الاسرائيلي مسؤولية الهجوم على القوة الدولية على انه «متعمّد». وانضم الى الاقتراح الجزائري ايضاً مندوبا الاكوادور واليابان.
ـ قالت مندوبة بريطانيا بأهمية التوصل الى «حل وسط والتعبير بصوت واحد في مواجهة التدهور السريع للوضع في لبنان». اظهرت ميلها الى تضمين البيان الفقرة المتعلقة بحماية المدنيين تبعاً للاقتراح الجزائري.
ـ بطلبه الكلام قلّل المندوب الاميركي من تأثير اي بيان يتخذه مجلس الأمن على الارض، قبل ان يشترط «ذكر حزب الله وايران في اي نص يتناول الوضع على نحو شامل». ختم بأن حكومته «تنضم الى التوافق على بيان تقترحه فرنسا اذا وافق عليه اعضاء المجلس جميعاً»، مع تحبيذه عدم تجاوز الاقتراح الفرنسي في صيغته المطروحة.
ـ قالت مندوبة سويسرا بضرورة تناول مجلس الامن وضع اليونيفيل وحماية المدنيين في آن.
ـ عقّب المندوب الفرنسي مجدّداً بأن الازمة اللبنانية «لا يمكن تجزئتها»، وهو ما تدركه حكومته.
ـ شكر مندوب الجزائر نظيره البريطاني على اقتراحه، قائلاً ان حكومته «يمكن ان تظهر مرونة اذا تمّ تضمين اشارة اخرى الى ضرورة التنفيذ الكامل للقرار 1701 في النص”.
ـ عاود مندوب الصين طلب الكلام كي يصر على ان ما تعرضت له قوات اليونيفيل هو «هجوم وليس حادثاً» وفق البيان الذي ادلت به قيادة اليونيفيل بنفسها.
ـ بعدما ايّدت الاقتراح الفرنسي، اسفت مندوبة مالطا لما عدّته «الوضع المتعثر داخل مجلس الامن وعدم قدرته على التعبير عن الوضع في لبنان”.
في خلاصة المناقشات تعثّر التوصل الى حل وسط من جراء معارضة المندوب الاميركي، ورفضه القاطع اي تعديل على النص الفرنسي المقترح بما في ذلك استبدال كلمة «حادث» بـ»هجوم» على الجنود الدوليين.
ليس ادلّ على ما دار في نيويورك سوى ان الوقت لم يحن بعد لوقف النار، وقد لا يحين في وقت قريب.