IMLebanon

المساعي الدولية لتأمين نصاب جلسة الانتخاب والحوار الداخلي للاتفاق على المرشحين

عندما كان لبنان يمارس الديموقراطية العددية لم يكن يواجه أزمات عند كل استحقاق رئاسي كما يواجهها اليوم لأن النصوص الدستورية كانت تحترم، اذ ان مجلس النواب كان يلتئم لانتخاب رئيس للجمهورية قبل أي أمر آخر. وعندما صار متعذرا عليه ممارسة هذه الديموقراطية بدعوى انه لا يستطيع ممارستها في ظل الطائفية، صار ابتداع الديموقراطية التوافقية التي عطلت النصوص الدستورية باعتماد الاستثناء الذي جعل الاتفاق على رئيس للجمهورية شرطا لتأمين النصاب، وهو ما جعل لبنان، خلافا للماضي، يواجه ازمات في انتخاب رئيس الجمهورية وفي تشكيل الحكومات وعند وضع قانون جديد للانتخابات.

لذلك بات على القادة في لبنان الاتفاق على اي ديموقراطية يريدون، أهي الديموقراطية التي يكون فيها القرار للأكثرية النيابية المطلوبة في انتخاب الرئيس، ام هي الديموقراطية التوافقية التي تجعل تأمين نصاب جلسات الانتخاب مرتبطا بحصول هذا التوافق؟

الواقع انه لولا الديموقراطية العددية لما تم انتخاب سليمان فرنجيه رئيسا للجمهورية بفارق صوت واحد، وكان ذلك مقبولا، ولما كان قبل أركان “الحلف الثلاثي” (كميل شمعون، بيار الجميل، ريمون اده) بانتخاب واحد منهم رئيسا للجمهورية لأنهم هم الاكثر تمثيلا للمسيحيين. لكن الديموقراطية العددية المعتمدة جعلتهم ينسحبون للمرشح سليمان فرنجيه لأنه كان اكثر قدرة منهم في الحصول على أصوات المسلمين، وهي أصوات لم يستطع اي ركن من أركان “الحلف الثلاثي” الحصول عليها. وهذا ما يواجهه الاقطاب الموارنة الاربعة في 8 و14 آذار، فالعماد ميشال عون يحتاج الى اصوات السنة، والدكتور سمير جعجع يحتاج الى اصوات الشيعة، والقاعدة المتبعة عادة في الانتخابات الرئاسية هي أن النواب المسيحيين يسمون مرشحهم لرئاسة الجمهورية والنواب المسلمون يختارون، والا لما كان فاز الرئيس كميل شمعون على منافسه حميد فرنجيه لولا اصوات النواب المسلمين في طرابلس.

واذا كان الدكتور جعجع قد احترم هذه القاعدة فأعلن استعداده للانسحاب لمرشح يتم التوافق عليه، فإن العماد عون لم يفعل مثله وظل مصرا على ان يكون هو المرشح الاوحد لرئاسة الجمهورية، من دون ان يأخذ في الاعتبار موقف الشريك المسلم وتحديدا المسلم السني، وما دامت الديموقراطية التوافقية هي التي تحكم لبنان، وإن انتقائيا واستنسابيا احيانا، فإن آلية الحل يمكن تنفيذها على مرحلتين: الاولى ديموقراطية عددية تطبق في الدورة الاولى للانتخاب على المرشحين الاقطاب في 8 و14 آذار، فمن يفز بأصوات اقل ينسحب للمرشح الذي ينال اصواتا اكثر، ثم تجرى دورة ثانية للمرشحين اللذين فازا باكثرية الاصوات من بين هؤلاء الاقطاب، فإذا لم يفز اي منهما بأكثرية الاصوات المطلوبة انتقل البحث عندئذ عن مرشح او مرشحين مستقلين تنطبق عليهم صفة التوافق، فإذا تعذر التوافق على اختيار واحد منهم ليفوز بالتزكية، فإن دورة انتخابية تجرى بين هؤلاء المرشحين ويكون الفوز لمن ينال منهم اكثرية الاصوات المطلوبة.

اما المساعي الدولية لإخراج لبنان من ازمة الانتخابات الرئاسية فتركز على تأمين النصاب لان استمرار تعطيله هو الذي يحول دون انتخاب رئيس، وتأمين هذا النصاب يتحقق إما باعتماد الديموقراطية العددية التي تحسم المعركة بأصوات الاكثرية المطلوبة، وإما باعتماد الديموقراطية التوافقية بالتوصل الى اتفاق على مرشح توافقي واحد او على لائحة مرشحين توافقيين تحسم اصوات الاكثرية المعركة لمصلحة هذا المرشح او ذاك.

يقول متابعو المساعي الدولية والاتصالات الداخلية التي تسبق الحوار المرتقب، ان لا بحث في اسماء المرشحين قبل ضمان تأمين النصاب لجلسة الانتخاب، اذ لا معنى لطرح اسماء قبل ضمان ذلك. فهل تؤدي المساعي الى تأمين نصاب جلسات الانتخاب كي ينتقل البحث الى الاسماء، وهل يؤدي الحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” الى اتفاق على تأمين النصاب اولا كي يصار الى البحث عن مرشح توافقي حتى اذا ما تعذر الاتفاق عليه في حوار شامل، كان الاتفاق عندئذ على لائحة مرشحين توافقيين تحسم الاكثرية النيابية المطلوبة المعركة بينهم.

المطلوب إذاً إما تأمين النصاب لجلسة الانتخاب ليصير في الامكان البحث في اسم او اسماء المرشحين التوافقيين، وإما الاتفاق على اسم او اسماء المرشحين التوافقيين كي يصير في الامكان تأمين النصاب. والمشكلة حتى الآن هي في تأمين النصاب لأن من يعطلونه يريدون معرفة اسم المرشح التوافقي قبل التعهد بتأمين هذا النصاب، وهذا يغرق البلاد في جدل عقيم حول البيضة قبل الدجاجة ام الدجاجة قبل البيضة، والمعلف قبل الحصان ام الحصان قبل المعلف لمعرفة ما اذا كانت الطريق الى قصر بعبدا باتت سالكة وآمنة، ام انها باتت سالكة لكنها غير آمنة…