الحركة الديبلوماسية تجاه بيروت.. بلا بركة رئاسية
تركيز دولي على الاستقرار.. ولو موقتاً
ثابتة وحيدة تركز عليها حركة الديبلوماسية الغربية والشرقية في اتجاه لبنان هي: «الحرص على منع انفجار الوضع الأمني في لبنان والحفاظ على استقراره».
هنا يتبدى السؤال التالي: ما دام هذا الحرص الاقليمي والدولي على استقرار هذا البلد موجودا، وما دام هؤلاء الحريصون اثبتوا خلال التوترات التي شهدها لبنان انهم يمتلكون القدرة على منع الانفجار، فما الذي يمنع من ان يتطور هذا الاستقرار ليصبح ثابتا ودائما ومحصنا، بدلا من ان يكون موقتا وهشا وقابلا للانفجار في اي لحظة؟
يجمّل قطب سياسي الاجابة بالآتي: «الكحل احلى من العمى!». ثم يستدرك ليقول ان حرص اصدقاء لبنان الاقليميين والدوليين على الاستقرار شديد الاهمية في ظاهره وهو اكثر من حاجة ملحة في الظرف اللبناني الحالي وفي ظل الحريق المشتعل من حول لبنان، لكنه في جوهره يبدو مستفزّاً ومقلقاً كونه حرص على استقرار هش ولا يقوم على ارض صلبة. وحال لبنان في ظله كحال مريض مصاب بمرض عضال يتم ادخاله غرفة العناية الفائقة وممنوع استئصال المرض نهائيا وممنوع عليه ان يشفى بل تتم معالجته بالمسكنات».
ذلك هو التعاطي الاقليمي والدولي مع لبنان، وثمة امثلة كثيرة في هذا السياق يوردها قطب سياسي، ومنها:
ــ ظاهرة احمد الاسير والتوترات التي خلقتها، وشكلت نقطة رهان جدي عليها من قبل بعض القوى السياسية والمذهبية، لكن عندما تفاقم تهديدها للاستقرار الداخلي جاء القرار بحسمها واجتثاثها بضوء اخضر خارجي انصاع له رعاة الحالة الاسيرية وكل المستثمرين عليها في الداخل.
ــ تسليط العين المخابراتية الغربية، وتحديدا الاميركية، على الساحة اللبنانية، وتقديم معلومات استخبارية امكن من خلالها احباط عمليات ارهابية متعددة وإلقاء القبض على مجموعة من الشبكات الارهابية والانتحاريين، من مجموعة فندق «دي روي»، الى نعيم عباس وعمر الاطرش وصولا إلى احمد الميقاتي وغيرهم.
ــ الجولات الدموية والتدميرية التي شهدتها مدينة طرابلس، لم تكن لتتوقف لولا انها بدأت تهدد السلم الاهلي ولولا انها باتت تشكل خطرا حقيقيا على تيار «المستقبل» الذي خشي ان يكون اولى ضحاياها، فجاء الضوء الاخضر الخارجي، ولا سيما السعودي، بصب الماء على النار، وايضا كان سعد الحريري اكثر المتحمسين لاخماد هذه النار.
ــ معركة عرسال وخطف العسكريين من قبل المجموعات الارهابية، فيكاد لا يتوقف الدعم الكلامي من شتى رياح الارض، من المليارات السعودية التي لم تسيّل بعد، الى الوعود الفرنسية التي لا تتوقف، الى الوعود الاميركية، ولعل اهمها الوعد الذي اطلقه الرئيس الاميركي باراك اوباما خلال اجتماع القادة العسكريين لدول التحالف ضد «داعش» وبحضور قائد الجيش العماد جان قهوجي بتقديم ما يمكّن الجيش من الانتصار في حربه على الارهاب. لكن تبين ان كل ذلك كلام في كلام، وترك الجيش في قلب هذه المأساة العميقة التي تنال من معنوياته، ولم يؤمن له الحد الادنى من السلاح الذي يسمح له بتحقيق معالم انتصار، ولم يوفر له الغطاء السياسي.
ــ الحوار المنتظر بين تيار «المستقبل» و»حزب الله»، الذي يشكل حاجة جدية لـ»المستقبل» تنسجم مع ثوب الاعتدال الذي قرر ان يلبسه في الآونة الأخيرة، فلطالما صعد «المستقبل» خلال السنوات الثلاث الاخيرة على شجرة عالية من الشروط والشعارات: لا للجلوس مع «حزب الله»، لا للجلوس مع من يدعم بشار الاسد ويقتل الشعب السوري، لا للجلوس مع قتلة رفيق الحريري. لكنه وضعها كلها جانبا وقرر الجلوس مع «حزب الله»، لحوار من اجل الحوار والصورة، وما كان تيار «المستقبل» ليقدم على ذلك لو لم يتلق الضوء الاخضر الخارجي ومباركة سعودية.
ــ زيارة المبعوث الفرنسي جان فرانسوا جيرو، بلا حلول سحرية، واقتصرت على دغدغة عواطف المتلهفين لدور لـ»الأم الحنون»، بطرحه ان تلعب فرنسا دور الوسيط على الخط الرئاسي وابلاغه بعض من التقاهم رهانه على نافذة امل ايرانية وصولا الى حل لبناني.
ــ زيارة ممثل الرئيس الروسي ميخائيل بوغدانوف، واقتراحه اعادة احياء اعلان بعبدا، واعتماده ليس في لبنان فقط بل على مستوى المنطقة.
تلك الامثلة، وغيرها كثير، دليل على انتقائية التعاطي مع لبنان، ومحاولة ضبط سقوف متعددة للاستقرار فيه تجعله استقرارا قابلا للاستثمار عليه وفق الرؤية الغربية وتمنعه فعليا من ان يتحول الى استقرار حقيقي. ذلك لأن القرار الدولي الذي يريد ان يحفظ للبنان استقرارا هشا، يريد لكل فتائل التوتر ان تبقى جاهزة للاشتعال.. عندما تدعو الحاجة.