IMLebanon

«فكرة دولية» استولدت ترشيح فرنجية في لبنان ومناف طلاس في سوريا

خلال الأسبوع الماضي تَركّز سؤال المحافل السياسية عن السيناريو المحتمل لإيصال النائب سليمان فرنجية إلى قصر بعبدا، ومع مطالع هذا الأسبوع تبدّلَ السؤال ليصبح: هل انتهى هذا السيناريو؟ وما بين السؤالين تبقى القصّة الحقيقية لارتفاع حظوظ الترشيح لصالح فرنجية محلّ نقاش وسباق محموم لتحصيل معلومات عنها.

في باريس كما في بيروت، هناك رواية جديدة متقاطعة تشرح الجوانب الأساسية من خلفيات قصة ترشيح فرنجية، وهي الآتية:

أوّلاً، تؤكّد هذه الرواية أنه لم ينشأ في أيّ لحظة لوبي دولي وإقليمي لانتخاب فرنجية، بل ما بَرز هو فكرة دولية وإقليمية لمواصفات رئيس في لبنان، وصادفَت أنها على قياس فرنجية. وهذه الفكرة وُلدت نتيجة أنّ الفاتيكان نجح أخيراً عبر مراكمة تدخّلاته المستمرة منذ نحو عام ونصف العام لدى الدول الكبرى، في تسويق مناخ يَحضّ على وجوب إطلاق محاولة دولية جدّية لإنتاج رئيس للجمهورية.

تمّ التجاوب دوليّاً وإقليمياً مع هذه الفكرة، وذلك انطلاقاً من حاجتين اثنتين تخصّان تهيئة لبنان ليواكب مسارات البحث عن حلّ للأزمة السورية في فيينا وخارجها: الحاجة الأولى تتحدث عن ضرورة مدّ دعم الاستقرار في لبنان بصدمة إيجابية وبمصل إضافي، ليستطيع الصمود لفترة أطول.

والثانية ضرورة انتخاب رئيس جمهورية في لبنان تسمح له مواصفاته أن يكون حاضراً للجلوس الى مائدة التفاوض الخاصة بسوريا حينما يَحين بدء موعد مسار العملية السياسية في شأن أزمتها، والذي بات قريباً.

ثانياً – طرح اسم فرنجية ليكون الرئيس الذي يُلبّي الحاجتين الآنفتين، جاء من مصدرين: الاوّل يعود الفضل فيه للنائب وليد جنبلاط الذي تمّت مفاتحته خلال زيارته الاخيرة الى السعودية بتصحيح تموضُعِه السياسي بحيث يعود الى دور قيادة فريق «14 آذار».

لكنّ جنبلاط تَحفّظ على الفكرة معتبراً أّنّ الأجدر في هذه المرحلة هو هزّ شجرة هذا الاصطفاف الانقسامي، والإتيان برئيس يُخرج الفراغ الرئاسي من عنق زجاجة أزمة الجنرال ميشال عون. وسرّبَ جنبلاط اسمَ فرنجية «كلمة السر» لهذا الحلّ. أمّا المصدر الثاني فكان الرئيس سعد الحريري الذي فاتحَ فرنجية في لقاء باريس بموافقة تيار «المستقبل» على ترشيحه، وحضّه على الذهاب الى محور «8 آذار» لتسويق الفكرة.

وتَجدر الإشارة إلى أنّ الحريري وصلت إليه فكرة ترشيح فرنجية من خلال تردّد اسم الاخير في دوائر سياسية خليجية منذ بدايات الصيف الماضي، بوصفِه ورقةً قد يتمّ اللجوء اليها في نهاية المطاف لإنهاء أزمة الرئاسة.

ثمّة فكرة أساسية تجعل اسمَ فرنجية مقبولاً في الخليج، وجوهرُها لا يتصل بالوضع الداخلي اللبناني بقدر ما يتصل بتهيئة الوضع في لبنان ليخدمَ احتياجات مرحلة ما بعد التسوية في سوريا. في الخليج يُعتقد أنّ الحل النهائي في سوريا سيفضي الى إزاحة بشّار الأسد عن الرئاسة، وأنّ المطلوب دولياً لإزاحته تقديم تطمينات مسبَقة الى العلويين في سوريا.

ويَعتبرون أنّ انتخاب فرنجية سيشكّل جزءاً من سلّة تطمينات تُقدّم الى العلويين تمتدّ من سوريا إلى لبنان. يعرف الخليج أنّ نسبة غير قليلة من النخَب المالية والاقتصادية العلوية في الساحل السوري قصَدت خلال الأعوام الثلاثة الماضية سيّد بنشعي للحماية والاطمئنان إلى عدم التعرّض لمصالحها في حال نَقلتها الى لبنان.

ثالثاً – تجدر الإشارة الى أنّ طرح اسم فرنجية كرئيس له مواصفات ذات صلة بمسار البحث عن حلّ في سوريا، تزامنَ في الكواليس المعنية مع ارتفاع حمى البحث الدولي والاقليمي عن رئيس للحكومة السورية الانتقالية، تتوافر فيه ليس فقط مواصفات المقبولية من المعارضة، بل مواصفات تشي بأنّه لا يستفزّ العلويين أو يخيفهم بل يُطمئنهم، وبالتالي يؤمّن وصوله فتحَ الباب أمام أحد شروط رحيل الأسد في نهاية المرحلة الانتقالية.

وأبرزُ الأسماء لرئاسة الحكومة السورية الانتقالية التي انطبَقت عليه مواصفات معارض معتدل يُطمئن العلويين، هو مناف طلاس نجل وزير الدفاع التاريخي في النظام السوري مصطفى طلاس.

وبطبيعة الحال لم تكن مجرّد صدفة أن ترتفع أسهم ترشيح كلّ من طلاس لرئاسة الحكومة السورية الانتقالية وفرنجية لرئاسة جمهورية لبنان في وقتٍ واحد وضمن مناخ مستجدّ بخصوص مسار البحث عن حلّ للأزمة السورية ينتهي بإزاحة الأسد ويمرّ بإنتاج سلّة تطمينات للعلويين تمتدّ من سوريا الى لبنان.

وليست صدفة أيضاً أن تنتكس حظوظ هذين المرشحين، وأن يحصل برود مفاجئ من إقليميين نحوهما في وقت واحد، وذلك بعد مضيّ فترة قصيرة على مباركتهم المعنوية لهما. وسبب ذلك يعود لحصول انتكاسات في مسار التسوية حول مصير الاسد والذي عبّرت عنه سلسلة المفاجآت السورية الاخيرة، ومن بينها استعصاء الخلاف التركي – الروسي على الاحتواء حتى الآن.

بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية، طرحَت أنقرة ثوابتَ عدّة كشروط لبَدء تعاونها مع جهود الحل السياسي في سوريا: أوّلها أن يوفّر هذا الحل منذ الآن وفي أول بنوده، إجابة واضحة وحاسمة على سؤال متى سيَرحل الأسد؟ والثاني مطالبة انقرة بأن تعرف مسبَقاً أسماء القوى التي ستسَمّيها اللائحة الدولية بوصفها فصائل وأحزاباً معتدلة يسمح لها بالمشاركة في العملية السياسية السورية.

وفي اللحظة الحالية المتّسمة بتعثّر أصابَ توجّه الدوليين والإقليميين لإنتاج سلّة ضمانات للعلويين تفضي الى إخراج الأسد، أخذ مسار الاهتمام بملء الشغور الرئاسي في لبنان يعود وإنْ ببطء لحالة تراجعِه الأولى.

وكبديل عنه اتّجه الاهتمام للبحث عن اسم لرئيس للحكومة الانتقالية السورية تتجسّد فيه مواصفات المعارضة المعتدلة ويَحظى بمصداقية داخل بيئاتها القاطنة داخل سوريا ولا يستفزّ طيفَ الاقليميين المنخرطين في الصراع السوري.

ويقود هذا التوجه الى إهمال الأسماء المنتمية لرموز المعارضة المقيمة في الخارج، وذلك لمصلحة البحث عن مرشحين في الداخل، وتحديداً في مناطق النظام.

فهؤلاء – بحسب القائلين بهذه النظرية التي تنافس الآن نظرية فرنجية في لبنان وطلاس أو من يشبهه في سوريا، يتميّزون بأنّهم واجَهوا نوعين من الظلم: الأوّل تعرّضوا له من «داعش» والتكفيريين الذين غزوا مناطقهم وفضّلوا الرحيلَ عنها لأنهم لا يطبّقون نموذج الحياة في ظلّ سيطرتهم، والثانية من النظام حيث يقيمون الآن، ويعانون من اضطرارهم لكتمِ آرائهم السياسية.

ويُشاع أنّ البحث داخل ديموغرافيات السوريين السُنّة النازحين الى مناطق سيطرة النظام، توصّل لانتقاء بعض الأسماء، ولكن طرحها كنماذج لحلّ عقدة انتقاء رئيس الحكومة الانتقالية لا يزال ينتظر استكمال انتهاء الاردن من إعداد لائحة قوى المعارضة المعتدلة. وينتظر أيضاً وفي الأساس إنهاءَ ذيول الاشتباك التركي – الروسي وتأثيراته على استكمال مسار فيينا.

إشكالية الداخل

مجمل ما تَقدّم يُظهر أنّ ترشيح فرنجية أملَته فكرة وُلدت في بيئة إقليمية ودولية تعمل لتوفير شروط إخراج الاسد من السلطة قبل بدء مسار الحل السياسي في سوريا، وهي بيئة حليفة لـ»14 آذار» ومعادية لـ»8 آذار»، الامر الذي أصاب الداخل اللبناني على ضفّتيه بإشكالية عدم فهم أسباب الترشيح واستغرابه.

وفي الايام الاخيرة يسود سؤال أساسي عمّا إذا كانت الفكرة التي أملت تسمية فرنجية، تواجِه حاليّاً في مسقط رأس ولادتها، ظروفاً مستجدّة نتيجة تعثّر المسار الذي انصَبّ على الاتفاق مسبَقاً على ما سيكون عليه مصير الأسد داخل أجندة الحل.

وبدلاً عنه تقدّمت لائحة اهتمامات، بينها انتظار انتهاء اللائحة الدولية التي ستسمّي قوى المعارضة المشاركة في الحل. وفيما الاميركيون يتّجهون لتمثيل المعارضات المعتدلة الداخلية، تنتظر تركيا حجم حصّتها على اللائحة، بينما الروس يستعجلون الوقت لإسقاط جبل التركمان، ما يجعل أنقرة أضعف نفوذاً في سوريا.

قصارى القول إنّ ترشيح سليمان قد يكون بدأ يَشهد تراجعَ اللحظة الدولية والاقليمية التي أملت التوجّه لتمهيد لبنان ليكون جاهزاً لمواكبة مستلزمات الحلّ في سوريا من دون الأسد.

يُلخّص مصدر مطّلع القصّة بالقول: فجأةً تضافرت معطيات أنشأت لحظة متقاطعة دولياً وإقليمياً أوصَت بإنشاء مسار للحلّ في لبنان «يبدأ بانتخاب رئيس جمهورية» يُسهم في طمأنة العلويين، في مقابل بدء مسار حلّ للأزمة في سوريا «ينتهي بانتخاب رئيس للجمهورية» غير الأسد.

ولا شكّ في أنّ هذه المعاني الآنفة المؤسسة لظهور لوبي اقليمي ودولي يساند الفكرة التي صادفَ أنّها تناسب مواصفات فرنجية، هي التي دعت «حزب الله» ضمنيّاً لاعتبار ترشيحه مبادرة مفخّخة. فالشكوك في دمشق وطهران وحارة حريك ليست موجّهة إلى نيّات فرنجية، بل الى المعنى الإقليمي والدولي الملتبس سوريّاً في ترشيحه.

تبقى الإشارة إلى أنّ فرنجية لم يُجر أيّ مقايضات داخلية مقابل دعم تيار «المستقبل» لترشيحه، سواءٌ على قانون الستّين أو عدم المسّ بالطائف الذي تدعمه بنشعي أساساً؛ فقصّة ترشيحه لا تزال حتى الآن تتفاعل في دائرة شروطها الدولية والإقليمية السابقة لشروطها اللبنانية الداخلية المؤجّلة؛ وهنا يَكمن الفرق بين ترشيحَي فرنجية وعون: فالأوّل عُرِضت عليه الرئاسة لأسباب يحتاجها الخارج في سوريا؛ والثاني عرض ترشّحه على الخارج لأسباب سوّقَ لها بأنّ الداخل اللبناني يحتاجها.