IMLebanon

مبادرات الإذلال والإستسلام

 

توالت المبادرات المتعدّدة الصياغة، القادمة من الخارج الاقليمي والدولي إلى الداخل اللبناني، وتجانست مع طروحات طرف الممانعة اللبناني، وحاولت بجدّية واصرار خرق جدار الشلل الرئاسي اللبناني والمؤسساتي المُختلق أساساً بمُمانعة محور المُمانعة للحلول الدستورية والديمقراطية. وتغيّرت منهجياتها وتعدّد حاملوها ومبعوثوها، ولكن بقي الهدف واحداً: «التسوية الاستسلامية»، ما يدلّ بوضوح على أنّ محور المُمانعة، بالرغم من كل ما حدث للبنان واللبنانيين من مآسٍ بسبب سياساته، ما زال يسعى وبشكل ثابت للابقاء على منهجيته المبنية على نهش جسد البلاد وتدمير مقوّمات الشعب والانقضاض على كل الحالات السيادية المعشعشة داخل جميع المجتمعات اللبنانية المنوّعة، والتي تُشكّل العائق الاساسي امام مخططاته لالغاء لبنان الحرّ الغنيّ بالثقافات وتحويله ساحة صراع دائم بخدمة المُحرّك الايراني.

 

رُتِّبت، وما زالت تُرتّب، خطوات المبادرات ودُرست بتأنٍّ وبذهنيات استغلالية متبادلة بين إداراتٍ من الخارج وأفرقاءٍ من الداخل، يجمعها فكر رجال الأعمال «والميغا مصالح» الملتقي مع أصحاب المشروع السلطوي، وغذّت من خلال دعمها مجموعات الضغط الاعلامية الفكر السياسي الواقعي المُسهّل لاتمام الصفقات والعقود، وخاصمت الفكر المبدئي الوطني السيادي الصامد لأجل الحفاظ على لبنان التنوّع والحرّيات والانسان المُنتج. وحاولت هذه الجهات المتعاونة، وما زالت، تكثيف الخطوات التي تؤدّي إلى نزع العوامل المُزعجة والمُعرقلة لمشاريعها المُتوقّع أن تدرّ الأموال السخية على موازنات شركاتها ومشاريعها غير الشرعية، واعتمد الطرف الخارجي مقاربات بمعايير مالية وانتاجية وليس بمعايير انسانية ووطنية، فالاتفاقات التي تعمل لها تعشعش فيها الصفقات الترغيبية للداخل المُتعامل.

 

إنّ المسائل والقضايا الوجودية والاختلافات الثقافية لم تعد ركائز أساسية لدى الكثير من منظومات الأعمال الدولية المُتحكّمة بالدول الكبرى وإداراتها، وما نشهده دولياً يدلّ على أنّ الصراعات التي تملأ شوارع عواصم ومدن تلك الدول ناتجة عن المقاربات الخاطئة لإدارات هذه الدول والمُستندة بقراءاتها الى مفاهيم مادية ومطلبية فقط من دون الأخذ بالاعتبار الفوارق الثقافية. إنّ انفجار الصدامات والحالات الرفضية في تلك الدول له أشكال طائفية وإثنية وليس فقط وليد الفوارق الاجتماعية، ومع اصرار إدارات هذه الدول على المعالجات الإرضائية لتلك المُجتمعات المستجدّة على أراضيها، تستمرّ الازمات بلا حلول حقيقية «فمن ساواك بنفسه ما ظلمك». فكما تظلم هذه الإدارات مجتمعاتها المتعدّدة وتدفن مشاكلها وتؤجّل الانتفاضات الشعبية لحسابات انتخابية وتستفيد منها أحياناً، كذلك وبالذهنية ذاتها تتعاطى مع مسائل الدول الأخرى وخاصةً لبنان، حيث يتمّ تجاهل الفوارق في عمق المفاهيم المتنوّعة بين الثقافات.

 

بهذه الذهنية المليئة بفكر»Business» ينطلق مُفبركو المبادرات بوضع تحرّكاتهم موضع التنفيذ غير عابئين بخطورة وضرر الاستقرار الوهمي المرحلي الذي يُحقّقونه من خلال تسوياتهم التحاصصية، وغير مهتمّين بالنتائج السلبية التي تنبع من غلبة الفريق المُمانع الذي يُسهّل هذه الصفقات الظالمة. يُحاولون بكل أنانية تحقيق نجاحات مالية لموازنات «الميغا شركات» التي يُديرونها، متجاهلين أكلاف ذلك على أصحاب الأرض وسيادييه.

 

إنّ الاستثمارات النظيفة حاجة وطنية وشعبية، تنشأ لصالح أهل البلاد وليس لصالح أعمال بعض الخارج وتسلُّط بعض الداخل. وإنّ المستغلّين من أفرقاء الداخل لذهنيات بعض الإدارات الدولية، والمستغلّين من بعض إدارات الخارج لوساخة بعض الداخل وسلطويته وفساده، لكل هؤلاء المصير ذاته لمن سبقهم بمعادلات مشابهة.

 

أدركت القيادات الاقليمية لمحور المُمانعة أهمية لبنان وغناه، واستغلّته بشكل كبير منذ البدء بالتنفيذ الخاطئ لاتفاق الطائف، وسيطرت عليه، ليس فقط بالقوة العسكرية والأمنية بل أيضاً بتعاون البعض من اللبنانيين، فتمّ تأمين مصالح الطرفين. وأكثر من فهم ذلك كان الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الذي تميّز بنظرته الاستراتيجية لشؤون المنطقة، فاستغلّ لبنان بشكل كبير تحت شعار «لبنان المتعافي والمُنتج نعمة له ولاقتصاده»، ولكنه أدرك أيضاً أنّ هذا البلد مليء بمناضلين قادرين أيضاً على تحويله، عندما تسنح الظروف، نقمة له ولحكمه، وهذا بالفعل ما حدث. وما على قيادة محور المُمانعة الحالية الا ادراك هذا الأمر سريعاً ووقف مشاريعها التسلّطية تخفيفاً للمعاناة الشعبية التي تضرب جميع الفئات، فلبنان آجلاً او عاجلاً سيتحوّل نقمةً ضدّ هذه المشاريع.

 

(*) عضو تكتّل «الجمهورية القوية»